للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدل على ما ذكروه، وإنما يدل على أنها ما دامت باقية فهم فيها، فأين فيها ما يدل على عدم فنائها؟ "

قلت: فكأنه يريد أن يقول: وأين الدليل أيضا في الآية المذكورة على نفي دخولهم الجنة بعد فناء النار؟ فيا سبحان الله ما يفعل التأويل بأهله، وإلى حضيض سحيق يهوون به فيه، وإلا فقل لي بربك: كيف يمكن لابن القيم أن ينكر أبدية النار ببقاء أهلها فيها وعدم دخولهم الجنة مطلقاً لولا تشبثه بذاك التأويل البشع، وهو المعروف بمحاربته لعلماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة لتأولهم كثيراً من آيات وأحاديث الصفات، كاستواء الله على عرشه، ونزوله إلى السماء، ومجيئه يوم القيامة، وغير ذلك من التأويل الذي هو أيسر من تأويله، فقد قال به كثير من المتأخرين خلافا للسلف، وأما تأويله فلم يقل به أحد منهم، لا من السلف، ولا من الخلف إلا تقليداً لشيخه، ولقد كان من الواجب عليه أن يلتزم بقول إمامه الذي قال ناصحاً لكل سلفي:

" إياك أن تتلكم في مسألة ليس لك فيها إمام ".

وكان في المحنة يقول: "كيف أقول ما لم يقل؟ " (١).

وإن مما يتنبه له الباحث المتأمل أن يرى موقفين متباينين أشد التباين لابن تيمية رحمه الله تعالى؛ فإنه في الوقت الذي مال إلى القول بفناء النار وانتصر له ابن القيم ذاك الانتصار الغريب المتكلف، نرى ابن القيم نفسه قد عقد في " الحادي " ستة أبواب في مسألة أخرى هي أهون من هذه بكثير من حيث موضوعها، ومن حيث اختلاف العلماء فيها ألا وهي: جنة آدم عليه السلام التي أهبط منها هل هي


(١) ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (١٠/ ٣٢٠ - ٣٤١). [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>