للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظلماً وقبيحاً يكون منه ظلماً وقبيحاً، كما تقوله القدرية والمعتزلة ونحوهم؛ فإن ذلك تمثيل لله بخلقه وقياس له عليهم، هو الرب الغني القادر وهم العباد الفقراء المقهورون، وليس الظلم عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة كما يقوله من يقوله من المتكلمين وغيرهم؛ يقولون: إنه يمتنع أن يكون في الممكن المقدور ظلم، بل كل ما كان ممكناً فهو منه -لو فعله- عدل؛ إذ الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي، والله ليس كذلك! فإن قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} (طه: ١١٢) وقوله تعالى: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} (ق: ٧٦) وقوله تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} (الزخرف: ٧٦) وقوله تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف: ٤٩) وقوله تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب} (غافر: ١٧) يدل على نقيض هذا القول.

ومنه قوله الذي رواه عنه رسوله: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» فهذا دل على شيئين: أحدهما أنه حرم على نفسه الظلم والممتنع لا يوصف بذلك. الثاني: أنه أخبر أنه حرمه على نفسه كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة وهذا يبطل احتجاجهم بأن الظلم لا يكون إلا من مأمور منهي والله ليس كذلك، فيقال لهم: هو سبحانه كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم، وإنما كتب على نفسه وحرم على نفسه ما هو قادر عليه لا ما هو ممتنع عليه».

"التعليق على متن الطحاوية" (ص٩٧ - ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>