للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:١٠٦) ولقد روى بعض علماء التفسير كابن حجر وكابن جرير الطبري وغيره أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه حيث عذبه المشركون كما عذبوا بلالًا، ثم يظهر أنهم شعروا منهم شيئًا من الضعف والارتخاء فعرضوا عليه أن يكفر بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن يقول فيه: إنه كذاب .. إنه ساحر .. إنه شاعر، قالوا له: إن قلت هذا أطلقنا سراحك، .. فقال هذه الكلمات فأطلقوه، فجاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فبعد هذه الراحة التي وجدها عاد إليه رشده فأنبته نفسه كيف أنا قلت فيمن هداني الله بسببه: إنه كذاب .. إنه ساحر .. إنه شاعر، فشكا الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعله ترتاح نفسه مما بدر منه من الخطأ، فقال له عليه الصلاة والسلام: «كيف تجد قلبك؟» أي: هذه الكلمات التي هي الكفر بعينه هل أنت مطمئن إليها، ومنكر صدقي ونبوتي وإلى آخره؟ قال: أجد قلبي مطمئن بالإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: «فإن عادوا فعد» (١).

فالآن: مَن مِن العقلاء ممن أوتي ذرة من عقل ولب يسوي بين كفر عمار بن ياسر وكفر أبي لهب وأبي جهل، هل يستويان مثلًا؟ الجواب: لا، لكنهما كل من الكفرين مسجل في اللوح المحفوظ، لأن الله قال: {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:٣٨) لكن هذا المسجل هو الذي وقع، فلماذا هؤلاء الجبريون يتخذون إذًا الكتابة السابقة دليلًا على أن المقصود مجبور عليه صاحبه، والمكتوب فيه تفصيل تارةً قد يكتب مجبوراً، وتارًة قد يكتب مختارًا، فالقدر نفسه مطابق الواقع له، فما كان جبرًا فلا مؤاخذة كما في قصة عمار بن ياسر، وما كان اختيارًا كما في قصة أبي لهب وأبي جهل وأمثاله من الكفرة، فبهذا يمكن الرد على هؤلاء الجبرية، ويكفي أن تعرفوا خطورة مذهبهم وسخافة عقولهم ما قاله الشاعر


(١) "مستدرك الحاكم" (٢/ ٣٨٩) "السنن الكبرى" للبيهقي (٨/ ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>