للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالاختيار الذي أنكره الجبرية هذا إنكار للأمور البدهية، وكما أقول أنا في مثل هذا البحث، أنا الآن أتكلم معكم: من الذي يشك بأني أتكلم مختاراً؟ وإذا عاند أحدهم وقال لي: أنت تتكلم غير مختار، أصمت، إذن أنا أتكلم باختياري وأصمت باختياري هذه مكابرة وجحد للحقائق البدهية، لماذا ينكرون هذه الحقائق البدهية؟

يا أخي مكتوب هذا مسجل، نعم مسجل ولا شك ولا ريب، ومسجل بعلم وعدل وحكمة.

وأنا أضرب مثلاً لقتل الخطأ وقتل العمد، فهذا القتل وذاك كلاهما مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ ولا شك، ولا يقبل تأويلاً ولا تحويلاً، ولكن كيف كتب؟ كيف قدر؟

حينما نقول: قتل العمد وقتل الخطأ بلا شك نذكر مع قتل الخطأ عدم وجود الإرادة البشرية، قتل ولكنه ما أراد القتل، أما قتل العمد كما يقولون اليوم في لغة القانون: قتل عن سابق عزم وتصميم وتخطيط، فأنا أضرب مثلاً لهذين النوعين من القتل: رجل خطط لقتل رجل من ذويه على رأس الجبل، ووضع الخطة الدقيقة للغدر به وقتله، فصعد الجبل في ليلة لا قمر فيها -كما يقال- فقتله، آخر صعد الجبل لأمر ما للنزهة، فزلت به القدم، وهناك شخص فصدمه فانقلب يتدحرج حتى وصل قتيلاً إلى سفح الجبل، ذاك قاتل وهذا قاتل، فمن الذي يقول هذا كهذا؟! كلاهما مقدر.

إذاً: يجب أن نفكر أن القدر الإلهي كما ألمحت في أول كلامي مقرون بالصفات الإلهية الأخرى، منها العلم ومنها الحكمة، فإذا انكشف الغطاء لنا وكنا

<<  <  ج: ص:  >  >>