للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأضعناها، وأسرار الشريعة فعبثنا بها.

وإليك ما رواه في شأن القبور مسلم في «صحيحه» عن أبي الهياج الأسدي قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفا إلا سويته. وفي «صحيحه» أيضاً عن ثمامة بن شفي قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم بـ «ردوس» فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يأمر بتسويتها (١).

هكذا بلغونا الذين أدوا إلينا أمانة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم تأكيداً لعهد الأمانة بدؤوا بكل ما أمرهم به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنفسهم لنستن بسنتهم، ونهتدي بهدي نبيهم، ولكن قصرت عقولنا عن إدراك معنى تلك الجزئيات، وانحطت مداركنا عن مقام العلم بحكمة التشريع الإلهي والأمر النبوي القاضي بعدم تشييد القبور، اتقاء التدرج في مدارج الوثنية فلم نحفل بتلك الحكمة، وتحكمنا بعقولنا القاصرة بالشرع فحكمنا بجواز تشييد القبور استحباباً لمثل هذه الجزئيات، حتى أصبحت كليات وخرقاً في الدين، وإفساداً لعقيدة التوحيد، إذ ما زلنا نتدرج حتى جعلنا عليها المساجد وقصدنا رفاتها بالنذور والقربات، ووقعنا من ثم فيها لأجله أمرنا الشارع بطمس القبور (٢)، كل هذا ونحن لا نزال في غفلة عن حكمة الشرع نصادم الحق ويصادمنا، حتى نهلك مع الهالكين».


(١) الأحاديث الواردة بالنهي عن تشييد القبور وتعظيمها ولعن من يتخذها مساجد ويقصدها بالنذور كثيرة قد استقصى الكلام عليها كثير من الأئمة المصلحين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأمثالهما فلتراجع في مظانها من كتب القوم كالواسطة وإغاثة اللهفان وغيرهما.
قلت: وراجع لذلك كتابنا «أحكم الجنائز». [منه].
(٢) انظر تعليقنا السابق. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>