للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال له أبو بصير أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الأخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد بعده فقال له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا» فلما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال يا رسول الله قد والله وفى الله ذمتك: قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد».فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير ... وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظاً وأكمل سياقه قال: ... وكتب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهما من المسلمين فقدم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أبي جندل وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بيده يقرؤه فدفنه أبو جندل مكانه وصلى عليه وبنى على قبرِه مسجداً».

قلت: فأنت ترى أن هذه القصة مدارها على الزهري فهي مرسلة على اعتبار انه تابعي صغير، سمع من أنس بن مالك رضي الله عنه وإلا فهي معضلة وكيف ما كان الأمر فلا تقوم بها حجة على أن موضع الشاهد منها وهو قوله: «وبنى على قبره مسجداً» لا يظهر من سياق ابن عبد البر للقصة أنه من مرسل الزهري ولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عنه بل هو من رواية موسى بن عقبة كما صرح به ابن عبد البر لم يجاوزه وابن عقبة لم يسمع أحدا من الصحابة فهذه الزيادة أعني قوله «وبنى على قبره مسجدا» معضلة (١).


(١) ولا تغتر أيها القارئ بما فعله هنا مؤلف «إحياء المقبور» فإنه ساق (ص ٤٤) القصة التي أوردناها في الأعلى من طريق ابن عبد البر غير أن المؤلف حذف من كلامه «وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر» ووصل رواية عبد الرزاق عن الزهري برواية موسى بن عقبة حتى صارتا كأنهما رواية واحدة وبدا للناظر في سياقه أن القصة بناء المسجد على القبر هي من رواية عبد الرزاق عن الزهري وإنما هي من رواية موسى بن عقبة بدون إسناد!
ثم وقفت على رواية موسى بن عقبة في «تاريخ ابن عساكر» (٨/ ٣٣٤/١) رواه بإسنادين عنه عن ابن شهاب مرسلا ومعضلا بلفظ: «وجعل عند قبره مسجدا» وهذا اللفظ- لو صح- أقل مخالفة لأنه ليس نصاً في أن البناء كان على القبر بل عنده وشتان ما بينهما وليس فيه أيضا أن أبا جندل هو الذي بنى المسجد فتأمل. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>