للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لا ترفعوا جدثي- يعني القبر - فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك» (١).

واعلم أن هذه الآثار وإن اختلفت دلالاتها فهي متفقة على النهي في الجملة عن كل ما ينبئ عن تعظيم القبور تعظيما يخشى منه الوقوع في الفتنة والضلال، مثل بناء المساجد والقباب على القبور وضرب الخيام عليها ورفعها أكثر من الحديث المشروع، والسفر والاختلاف إليها (٢) والتسمح بها، ومثل التبرك بآثار الأنبياء ونحو ذلك.

فهذه الأمور كلها غير مشروعة عند السلف الذين سميناهم من الصحابة وغيرهم، وذلك يدل على أنهم كانوا جميعا يرون بقاء علة النهي عن بناء المساجد على القبور وتعظيمها بما لم يشرع ألا وهي خشية الإضلال والافتتان بالموتى، كما نص عليها الإمام الشافعي رحمه الله فيما سبق بدليل استمرارهم على القول بالحكم المعلول بهذه العلة فإن بقاء أحدهم يستلزم بقاء الآخر كما لا يخفى وهذا بالنسبة لمن نص منهم على كراهية بناء المساجد على القبور ظاهراً، أما الذين صرحوا بالنهي عن غير ذلك مثل رفع القبر وضرب الخيمة عليه ونحوه مما أجملنا الكلام عليه آنفا فهم يقولون ببقاء الحكم المذكور من باب أولى وذلك لوجهين:

الأول: أن بناء المساجد على القبور أشد جرماً من رفع القبور وضرب الخيام عليها، لما ورد من اللعن على البناء، دون الرفع والضرب المذكور.

الثاني: أن المفروض في أولئك السلف الفهم والعلم، فإذا ثبت عن أحد


(١) رواه ابن سعد (٦/ ١٠٨) بسند صحيح. [منه].
(٢) الاختلاف إليها أي: إكثار التردد لزيارتها، وهذا مستفاد من قولهص «اللهم لا تجعل قبري عيداً». [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>