للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم ينكر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ووَأَسَفًا على غربة الدين وأهله، وفي مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي ينبغي أن يكون أبعد المساجد بعد المسجد الحرام عما يخالف شريعته عليه الصلاة والسلام.

هذا، وقد سبق في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية أن بعض أهل العلم رخص في إتيان القبر الشريف للسلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها، وكأن ذلك يفيد عدم الإكثار والتكرار بدليل قوله عقب ذلك: «وأما قصده دائماً للصلاة والسلام فما علمت أحداً رخص فيه».

قلت: وهذا الترخيص الذي نقله الشيخ عن بعض أهل العلم هو الذي نراه ونعتمد عليه بشرط القيد المذكور، فيجوز لمن بالمدينة إتيان القبر الشريف للسلام عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - أحياناً؛ لأن ذلك ليس من اتخاذه عيداً كما هو ظاهر، والسلام عليه وعلى صاحبيه مشروع بالأدلة العامة، فلا يجوز نفي المشروعية مطلقاً لنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن اتخاذ قبره عيداً، لإمكان الجمع بملاحظة الشرط الذي ذكرنا، ولا يخرج عليه أننا لا نعلم أن أحداً من السلف كان يفعل ذلك، لأن عدم العلم بالشئ لا يستلزم العلم بعدمه كما يقول العلماء، ففي مثل هذا يكفي لإثبات مشروعيته الأدلة العامة مادام أنه لا يثبت ما يعارضها فيما نحن فيه. على أن شيخ الإسلام قد ذكر في «القاعدة الجليلة» (ص ٨٠ طبع المنار) عن نافع أنه قال: كان ابن عمر يسلم على القبر، رأيته مائة مرة أو أكثر يجيئ إلى القبر فيقول: السلام على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، السلام على أبي بكر، السلام على أبي، ثم ينصرف؛ فإن ظاهره أنه كان يفعل ذلك في حالة الإقامة لا السفر؛ لأن قوله «مائة مرة»، مما يبعد حمل هذا الأثر على حالة السفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>