للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة التكاثر]

مكية

ولا وقف من أوَّلها إلى: «المقابر» فلا يوقف على «التكاثر»؛ لأن ما بعده غاية لما قبله.

{الْمَقَابِرَ (٢)} [٢] كاف، ولا يوقف على «كلَّا»؛ لأنَّها صلةٌ لما بعدها؛ بمعنى: حقًا سوف تعلمون ما أنتم عليه من التكاثر بالأموال والأولاد، فالخطاب الأوَّل للكفار، والثاني للمؤمنين، وفصل بين الأوَّل والثاني بالوقف، وإلا فالثاني داخل مع الأول لاتساقه عليه، وكررت للتغليظ والتخويف ووعيد بعد وعيد، وجاء بـ «ثُّم» إيذانًا بأنَّ تكريره أبلغ منَّ الأول في التهويل (١).

{تَعْلَمُونَ} [٥] الثاني كاف، ثم كرر الثالثة لتحقيق العلم، فقال: «كلَّا لو تعلمون علم اليقين»، وهو أكفى مما قبله، وجواب: «لو» محذوف، تقديره: ما ألهاكم التكاثر، وجعل الحسن البصري «كلَّا» الثالثة قسمًا وابتدأ بها، وقيل: الوقف «لو تعلمون» ثم يبتدئ: «علم اليقين» على القسم وانتصب لما حذفت الواو وجوبًا به «لترون»، أي: والله لترون الجحيم كقول امرئ القيس:

فَقالَت يَمينَ اللَهِ ما لَكَ حيلَةٌ ... وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةَ تَنجَلي (٢)

وقيل لا يجوز أن يكون «لترون» جوابًا؛ لأنه محقق الوقوع بل الجواب محذوف، تقديره: لو تعلمون علمًا يقينًا ما ألهاكم التكاثر، فحذف الجواب للعلم بتقدمه، قرأ العامة «لترون» مبنيًا للفاعل، وقرأ ابن عامر والكسائي (٣): «لترون» بضم التاء الفوقية رباعيًا متعديًا لاثنين الأول الواو، والثاني «الجحيم»،


(١) انظر: تفسير الطبري (٢٤/ ٥٧٩)، بتحقيق أحمد محمد شاكر -مؤسسة الرسالة.
(٢) البيت من بحر الطويل، وقائله امرؤ القيس في معلقته الشهيرة، وامرؤ القَيس (١٣٠ - ٨٠ ق. هـ/٤٩٦ - ٥٤٤ م) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، شاعر جاهلي، أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد، كان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر، قال الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حضرموت، موطن أبيه وعشيرته، وهو في نحو العشرين من عمره. أقام زهاء خمس سنين، ثم جعل ينتقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبي! ضيعني صغيرًا وحملني دمه كبيرًا، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد، وقال في ذلك شعرًا كثيرًا، كانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار (آباء امرؤ القيس) فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس، فطلبه فابتعد وتفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره ومكث عنده مدة، ثم قصد الحارث بن أبي شمر الغسَّاني والي بادية الشام لكي يستعين بالروم على الفرس فسيره الحارث إلى قيصر الروم يوستينيانس في القسطنطينية فوعده وماطله ثم ولاه إمارة فلسطين، فرحل إليها، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح، فأقام فيها إلى أن مات.-الموسوعة الشعرية-الموسوعة الشعرية
(٣) وجه من قرأ بضم التاء؛ أنه مبني للمفعول مضارع: أرى، معدى: رأى البصيرة، بالهمز لاثنين رفع الأول، وهو الواو على النيابة، وبقي الثاني وهو: {الْجَحِيمِ} منصوبًا، والباقي بفتح التاء مبنيًا للفاعل مضارع: رأى، والواو فاعل. انظر هذه القراءة في: إتحاف الفضلاء (ص: ٤٤٣)، الإعراب للنحاس (٢/ ٧٦٢)، الإملاء للعكبري (٢/ ١٥٨)، البحر المحيط (٨/ ٥٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>