للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لاطِّلاعِ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَتَعَجَّلُ إِلَيْهِ إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ.

وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي»، فَقَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ، وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلا الصَّوْمُ، فَيَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ.

وَيُحْكَى عَنْ سُفْيَانَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: «الصَّوْمُ لِي»، قَالَ: لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الصَّبْرُ، يَصْبِرُ الإِنْسَانُ عَنِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالنِّكَاحِ، وَثَوَابُ الصَّبْرِ لَيْسَ لَهُ حِسَابٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى قَوْلِهِ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّهَا لَهُ وَهُوَ يَجْزِي بِهَا، فَنَرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ الصَّوْمَ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى جَزَاءَهُ، لِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ يَظْهَرُ مِنَ ابْنِ آدَمَ بِلِسَانٍ وَلا فِعْلٍ، فَيَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ، إِنَّمَا هُوَ نِيَّةٌ فِي الْقَلْبِ، وَإِمْسَاكٌ عَنِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، فَيَقُولُ: أَنَا أَتَوَلَّى جَزَاءَهُ عَلَى مَا أُحِبُّ مِنَ التَّضْعِيفِ، لَا عَلَى كِتَابٍ لَهُ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةً خَالِصَةً لِي لَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، لَيْسَ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الْخَلْقُ، فَلا يُؤْمَنُ مَعَهَا الشِّرْكُ كَمَا جَاءَ، «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»، لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحِلُّهَا الْقَلْبُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>