للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ مَجَّانًا.

وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ أَمْ لَا؟ أَصَحُّ قَوْلَيْهِ: أَنَّهُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ إِلا أَنْ يَعْفُوَ عَلَى الدِّيَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ حَالَةٌ فِي مَالِ الْجَانِي، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَتَشَفَّعَ إِلَى وَلِيِّ الدَّمِ فِي الْعَفْوِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا رأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رُفِعَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إِلا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ».

وَفِيهِ إِبَاحَةُ الاسْتِيثَاقِ وَالرِّبَاطِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إِذَا خِيفَ انْفِلاتُهُ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عُفِيَ عَنْهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ، وَلا يُعَزَّزُ، حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يُضْرَبُ بَعْدَ الْعَفْوِ مِائَةً، وَيُحْبَسُ سَنَةً.

وَقَوْلُهُ: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِهِ»، يَقُولُ: يَبُوءُ، أَيْ: يَتَحَمَّلُ إِثْمَهُ فِيمَا قَارَفَ مِنَ الذُّنُوبِ سِوَى الْقَتْلِ، وَلَوْ قُتِلَ رُبَّمَا كَانَ الْقَتْلُ كَفَّارَةً لَهُ، وَ «إِثْمُ صَاحِبِهِ»، أَيْ: يَتَحَمَّلُ إِثْمَهُ فِي قَتْلِ صَاحِبِهِ، فَأَضَافَ الإِثْمَ إِلَى صَاحِبِهِ، لِكَوْنِ قَتْلِهِ سَبَبًا لإِثِمْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشُّعَرَاء: ٢٧] أَضَافَ الرَّسُولُ إِلَيْهِمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>