للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين} قوله تعالى: {إِنِّيءَانَسْتُ نَاراً} فيه وجهان: أحدهما: رأيت ناراً , قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون. الثاني: أحسست ناراً , قاله قتادة , والإيناس: الإحساس من جهة يؤنس بها. {سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ} فيه وجهان: أحدهما: سأخبركم عنها بعلم , قاله ابن شجرة. الثاني: بخبر الطريق , لأنه قد كان ضل الطريق , قاله ابن عباس. {أَوْءَاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ} والشهاب الشعاع المضي , ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب , قال الشاعر:

(في كفِّهِ صعدة مثقفة ... فيها سنان كشعلة القبسِ)

والقبس هو القطعة من النار , ومنه اقتبست النارَ , أخذت منها قطعة , واقتبست منه علماً إذا أخذت منه علماً , لأنك تستضيء به كما تستضيء بالنار. {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} أي لكي تصطلون من البرد , قال قتادة: وكان شتاء. قوله تعالى {فَلَمَّا جَاءَهَا} يعني ظن أنها نار , وهي نور , قال وهب بن منبه: فلما رأى موسى وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق , لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً , ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً , فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها , فمالت إليه فخافها فتأخر عنها , ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها , إلى أن: {نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا}. وفي {بُورِكَ} ثلاثة أوجه: أحدها: يعني قُدِّس , قاله ابن عباس. الثاني: تبارك , حكاه النقاش. الثالث: البركة في النار , حكاه ابن شجرة , وأنشد لعبد الله بن الزبير:

(فبورك في بنيك وفي بنيهم ... إذا ذكروا ونحن لك الفداء)

وفي النار وجهان: أحدهما: أنها نار فيها نور. الثاني: أنها نور ليس فيها نار , وهو قول الجمهور. وفي {بُورِكَ مَن فِي النَّارِ} خمسة أقاويل: أحدها: بوركت النار , و {مَن} زيادة , وهي في مصحف أُبي: {بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا} قاله مجاهد. الثاني: بورك النور الذي في النار , قاله ابن عيسى. الثالث: بورك الله الذي في النور , قاله عكرمة , وابن جبير. الرابع: أنهم الملائكة , قاله السدي. الخامس: الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق. وفي قوله: {وَمَن حَوْلَهَا} وجهان: أحدهما: الملائكة , قاله ابن عباس. الثاني: موسى , قالها أبو صخر. {وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيه وجهان: أحدهما: أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قوله الله: {سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} استعانة بالله وتنزيهاً له , قاله السدي. الثاني: أن هذا من قول الله ومعناه: وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين , حكاه ابن شجرة. ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى. وفي ذلك الكلام قولان: أحدهما: أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي. قال وهب بن منبه: ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه. والثاني: أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى , حكاه النقاش. قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ} قال وهب: ظن موسى أن الله أمره برفضها فرفضها. {فَلَمَا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ} فيه وجهان: أحدهما: أن الجان الحية الصغيرة , سميت بذلك لاجتنانها واستتارها. والثاني: أنه أراد بالجان الشيطان من الجن , لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشيطان , كما قال تعالى: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: ٦٥]. وقد كان انقلاب العصا إلى أعظم الحيات لا إلى أصغرها , كما قال تعالى: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف: ١٠٧] و [الشعراء: ٣٣]. قال عبد الله بن عباس: وكانت العصا قد أعطاه إياها ملك من الملائكة حين توجه إلى مَدْيَن وكان اسمها: ما شاء , قال ابن جبير: وكانت من عوسج. {وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ ... } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ولم يرجع , قاله مجاهد , قال قطرب: مأخوذ من العقب. الثاني: ولم ينتظر , قاله السدي. الثالث: ولم يلتفت , قاله قتادة. ويحتمل رابعاً: أن يكون معناه أنه بقي ولم يمش , لأنه في المشيء معقب لابتدائه بوضع عقبة قبل قدمه. قوله تعالى: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} قيل إنه أراد في الموضع الذي يوحى فيه إليهم , ولا فالمرسلون من الله أخوف. {إلَاّ مَن ظَلَمَ} فيه وجهان: أحدهما: أنه أراد من غير المسلمين لأن الأنبياء لا يكون منهم الظلم , ويكون منهم هذا الاستثناء المنقطع. الوجه الثاني: أن الاستثناء يرجع إلى المرسلين. وفيه على هذا وجهان: أحدهما: فيما كان منهم قبل النبوة كالذي كان من موسى في قتل القبطي , فأما بعد النبوة فهم معصومون من الكبائر والصغائر جميعاً. الوجه الثاني: بعد النبوة فإنه معصومون فيها مع وجود الصغائر منهم , غير أن الله لطف بهم في توفيقهم للتوبة منها , وهو معنى قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ} يعني توبة بعد سيئة. {فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي غفور لذنبهم , رحيم بقبول توبتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>