للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يخرقه، فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أنّ فيما فعل من ذلك الرشد والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة التى عزم عليها إمامها العادل فى تركها، طاعة منها له، ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفّت آثارها، فلا سبيل لأحد اليوم إلى القراءة بها، لدثورها وعفو آثارها، وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها، من غير جحود منها صحتها وصحة شىء منها، ولكن نظرا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها، فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذى اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية.

وإنما جاز ترك سائر الأحرف لأن أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالقراءة بها لم يكن فرضا، وإنما كان أمر إباحة ورخصه، ولو كانت القراءة بها فرضا لوجب نقلها بمن تقوم بهم الحجة، ويزيل الشك من قرأة الأمة، وفى تركهم هذا النقل دليل على أنهم كانوا فى القراءة بها مخيّرين، بعد أن يكون فى نقلة القرآن من الأمة من تجب بنقله الحجة ببعض تلك الأحرف السبعة «١».

[مناقشة الرأى الثالث]

ويجاب عن الرأى الثالث الذى يرى أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه:

من الأمر، والنهى، والحلال، والحرام، والمحكم، والمتشابه، والأمثال، وما هو فى معنى ذلك من الوجوه والأنواع والمعانى- بأن عماد هذا الرأى هو الحديث الذى يرويه سلمة بن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبى صلّى الله عليه وسلم، وقد قال فيه أبو عمر بن عبد البر: «هذا حديث عند أهل العلم لم يثبت،


(١) انظر مقدمة تفسير ابن جرير ١/ ٥٧ - ٦٤، وكتاب المصاحف ص ١١ - ٣٤، وروى «حرق» بالحاء المهملة، و «يحرقه»، كما روى بالخاء المعجمة، وخرق الكتاب أو الثوب:
شققه ومزقه.
(٦ - نزول القرآن).

<<  <   >  >>