للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتقدمين خلاف لشيء مما قلناه، ومعنى: «كلها شاف كاف» كما قال جل ثناؤه فى صفة القرآن: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «١»، جعله الله للمؤمنين شفاء، يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم من وساوس الشيطان وخطراته، فيكفيهم ويغنيهم عن كل ما عداه من المواعظ ببيان آياته» «٢».

وقد نقل الإمام البغوى ما ذكره أبو عبيد عن الأحرف السبعة، وبيّن أن الاختلاف فيها لا يدخل تحت قوله سبحانه وتعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً «٣»، إذ ليس معنى هذه الحروف أن يقرأ كل فريق بما شاء فيما يوافق لغته من غير توقيف، بل كل هذه الحروف منصوصة، وكلها كلام الله، نزل به الروح الأمين على الرسول صلّى الله عليه وسلم، يدل عليه

قوله صلّى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف»

فجعل الأحرف كلها منزّلة.

وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعارض جبريل فى كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن، فيحدث الله فيه ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسّر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم، وكان يعرض عليه فى كل عرضة وجها من الوجوه التى أباح الله له أن يقرأ القرآن به، وكان يجوز لرسول الله صلّى الله عليه وسلم بأمر الله سبحانه وتعالى أن يقرأ ويقرئ بجميع ذلك، وهى كلها متفقة المعانى، وإن اختلف بعض حروفها.

وكان الأمر على هذا حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وبعد وفاته كانوا يقرءون بالقراءات التى أقرأهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولقّنهم بإذن الله عزّ وجل، إلى أن وقع الاختلاف


(١) يونس: ٥٧.
(٢) انظر مقدمة التفسير ج ١ ص ٤٧ - ٦٧.
(٣) النساء: ٨٢.

<<  <   >  >>