للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها ظهور آثار أسمائه المتضمنة كلأه، وعفوه، ومغفرته، وستره، وتجاوزه عن حقه، وعتقه لمن يشاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأشياء لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» (١).

ومنها ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم، الخبير، الذى يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشىء فى غير موضعه ولا ينزله فى غير منزلته التى يقتضيها كمال علمه، وتمام حكمته، فهو أعلم حيث يجعل رسالاته، وأعلم بمن يصلح لقبولها، ويشكر له جميل صنعه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك، فلو قرر عدم الأسباب المكروهة لتعطلت حكم كثيرة، ولفاتت مصالح عديدة، ولو عطلت تلك الأسباب لما فيها من الشر لتعطل الخير الذى هو أعظم من الشر الذى فى تلك الأسباب، وهذا كالشمس والمطر والرياح التى فيها من المصالح ما هو أضعاف ما يحصل بها من الشر.

ومنها حصول الطاعات المتنوعة التى لولا خلق إبليس لما حصلت، فإن طاعة الجهاد من أحب أنواع الطاعات، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه الطاعة وتوابعها من الموالاة لله تعالى والمعاداة فيه، وطاعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومخالفة الهوى وإيثار محاب الله تعالى، والتوبة، والاستغفار والصبر، والاستعاذة بالله أن يجيره من عدوّه، ويعصمه من كيده وأذاه، إلى غير ذلك من الحكم التى تعجز العقول عن إدراكها.


(١) رواه مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>