للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)

(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).

أي اجعل أفئِدَةً جماعةًْ مِن الناس تنزع إلَيْهِمْ، ويجوز تَهَوَى إليْهِمْ.

فمن قرأ تهوي إليهم فَهُوَ على هَوَى يَهْوِي إذا ارتفع (١)، ومن قرأ تَهَوى إليهم فعلى هَوِيَ يَهْوَى إذا أحب، والقراءة الأولى هي المختارة.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (٤٠)

أي واجعل مِنْ ذُرِّيَّتِي من يقيم الصلاة.

(رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).

القراءة بغير " ياء " في دعائي، إذا وقفت، فإذا وصلت فأنت بالخيار إن

شئت قلت دعاءِ بغير ياء، وكانت الكسرة في الهمزة تنوب عن الياء، والأجود إثبات الياء، وإن شئت أسْكَنتَها، وإن شئت فتحتها.

* * *

وقوله: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)

هذا قبل أن يتبين لِإبراهيم أن أبَاهُ عَدُوٌّ للَّهِ، فلما تبيَّنَ لَهُ ذلك تبرأ منه.

وقيل إنه يَعْنِي بوالديه هنا آدمَ وحواء وقيل أيْضاً ولوَلَدَيَّ، يعني به إسماعيل

وإسحاق، وهذه القراءة ليست بشيء لأنها خلاف ما عليه أهل الأمصار من أهل القراءات.

(يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ).

يعني يوم القيامة، و " يَوْمَ " منصوب بـ (اغْفِرْ لِي).

* * *

وقوله: (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣)

(مُهْطِعِينَ) منصوب على الحال، المعنى إنما يؤخرهم ليوم تَشخص فيه


(١) قال محقِّقُ الكتاب:
كذا بالأصل وهو سهوٌ إذ هوى بمعنى سقط ووقع. اهـ
قلت [مصحح النسخة الإلكترونية]
قال ابن منظور:
وقوله عز وجل (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ) فيمن قرأَ به إِنما عدَّاه بإِلى لأَن فيه معنى تميل والقراءَة المعروفة تَهْوي إِليهم أَي تَرْتَفِع والجمع أَهْواء وقد هَوِيَه هَوًى فهو هَوٍ وقال الفراء معنى الآية يقول اجعل أَفئدة من الناس تُريدُهم كما تقول رأَيت فلاناً يَهْوي نَحْوَك معناه يُريدك قال وقرأَ بعض الناس تَهْوى إِليهم بمعنى تَهْواهم كما قال رَدِفَ لكم ورَدِفَكم الأَخفش تَهْوى إِليهم زعموا أَنه في التفسير تَهْواهم الفراء تَهْوي إِليهم أَي تُسْرعُ والهَوى أَيضاً المَهْويُّ
قال أَبو ذُؤيب
زَجَرْتُ لها طَيْرَ السَّنِيحِ فإِنْ تَكُنْ. . . هَواكَ الذي تَهْوى يُصِبْكَ اجْتِنابُها.
اهـ (لسان العرب. ١٥: ٣٧١).
وقال السَّمين:
قوله: «تَهْوي» هذا هو المفعولُ الثاني للجَعْل. والعامَّة «تَهْوِي» بكسرِ العين بمعنى: تُسْرِعُ وتَطيرُ شوقاً إليهم. قال:
٢٨٩٧ - وإذا رَمَيْتَ به الفِجاجَ رَأَيْتَه. . . يَهْوي مخارمَها هُوِيَّ الأجْدَلِ
وأصلُه أنْ يتعدَّى باللام، كقوله:
٢٨٩٨ - حتى إذا ما هَوَتْ كفُّ الغلامِ لها. . . طارَتْ وفي كَفِّه مِنْ ريشِها بِتَكُ
وإنَّما عُدِّي ب «إلى» لأنه ضُمِّنَ معنى «تميل»، كقوله:
٢٨٩٩ - تَهْوي إلى مكَّةَ تَبْغي الهدى. . . ما مُؤْمِنُ الجِنِّ كأَنْجاسِها
وقرأ أميرُ المؤمنين علي وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر ابن محمد ومجاهد بفتح الواو، وفيه قولان، أحدُهما: أنَّ «إلى» زائدةٌ، أي: تهواهم. والثاني: أنه ضُمِّنَ معنى تَنْزِعُ وتميل، ومصدرُ الأول على «هُوِيّ»، كقوله:
٢٩٠٠ - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يَهْوي مخارِمَها هُوِيَّ الأجْدَل
والثاني على «هَوَى». وقال أبو البقاء: «معناهما متقاربان إلاَّ أَنَّ هَوَى - يعني بفتح الواو- متعدٍّ بنفسه، وإنما عُدِّيَ بإلى حَمْلاً على تميل».
وقرأ مسلمة بن عبد الله: «تُهْوَى» بضم التاء وفتح الواو مبنياً للمفعول مِنْ «أهوى» المنقول مِنْ «هَوِيَ» اللازمِ، أي: يُسْرَع بها إلى إليهم.
اهـ (الدر المصون).

<<  <  ج: ص:  >  >>