للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفاء جَوَابُ الشرْطِ شرط الجزاء، وهو اعتراض بين الشرط

والجزاء، المعنىِ إمَّا تُرِيَني مَا يُوعَدُونَ فلا تَجعلني يا ربِّ في القوم

الظالمين، أي إنْ نزَلَتْ بِهِمُ النقمةَ يا ربِّ فاجعلني خارجاً عنهم.

ويجوز " فَلَا تَجْعَلَنِّي " ولم يقرأ بها.

* * *

وقوله: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧)

واحد الهمزات هَمْزَة، وهو مَسُّ الشَيْطانِ، ويجوز أن يكون نَزَغَاتِ

الشيطان، ونَزْغُ الشيطان وَسْوَسَتُه حتى يَشْغَل عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تعالَى.

* * *

وقوله: (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)

ويجوز " وَأَعُوذُ بِكَ رَبُّ أَنْ يَحْضُرُونِ " ولم يقرأ بها فلا تقرأنَّ بها.

ويجوز وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّي أَنْ يَحْضُرُونِ، ويجوز رَبِّيْ.

فهذه أربعة أَوْجُهٍ.

ولا ينبغي أن يقرأ إلا بواحد، وهو الذي عليه الناس. . رَبِّ بِكسر الباء وحَذْفِ الياء، والياء حُذِفَتْ للبدَاء والمعنى وأعوذ بك يا رَبِّ.

من قال ربُّ بالضمِ فعلى معنى يا أيها الربُّ ومن قال رَبِّي فعلى الأصل. كما قال يا عبادِي فاتَّقُونِ.

* * *

وقوله: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩)

يعني به الذين ذُكِرُوا قَبْلَ هذا المَوْضِع. ودَفَعُوا البَعْثَ فأعلم أنه إذا

حضر أحَدَهُم الموتُ (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) (١).

وقوله: (ارْجِعُونِ) وهو يريد اللَّه - عزَّ وجلَّ - وَحْدَه، فجاء الخطابُ في

المسألة على لفظ الإخْبار لأن الله عزَّ وجلَّ قال: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ).


(١) قال السَّمين:
قوله: {حتى إِذَا}: في «حتى» هذه أوجهٌ، أحدُها: أنها غايةٌ لقولِه: «بما يَصِفون». والثاني: أنها غايةٌ ل «كاذبون». وبَيَّنَ هذين الوجهين قولُ الزمخشري: «حتى تتعلق ب» يَصِفون «أي: لا يزالون على سوءِ الذكر إلى هذا الوقت، والآيةُ فاصلةٌ بينهما على وجهِ الاعتراضِ والتأكيدٍ». ثم قال: «أو على قولِه» وإنهم لكاذِبون «. قلت: قوله: أو على قولِه كذا» كلام محمولٌ على المعنى إذ التقدير «حتى» مُعَلَّقَةٌ على «يَصِفُون» أو على قوله: «لَكاذِبون». وفي الجملة فعبارةٌ مُشْكلة.
الثالث: قال ابنُ عطية: «حتى» في هذه المواضع حرفُ ابتداءٍ. ويُحتمل أَنْ تكونَ غايةً مجردةً بتقديرِ كلامٍ محذوفٍ. والأولُ أَبْيَنُ؛ لأنَّ ما بعدها هو المَعْنِيُّ به المقصودُ ذِكْرُه «. قال الشيخ:» فَتَوَهَّمَ ابنُ عطية أن «حتى» إذا كانت حرفَ ابتداءٍ لا تكونَ غايةً، وهي وإنْ كانَتْ: حرفَ ابتداءٍ، فالغايةُ معنًى لا يُفاريقها، ولم يُبَيِّنْ الكلامَ المحذوفَ المقدَّرَ «. وقال أبو البقاء:» حتى «غايةٌ في معنى العطفِ». وقال الشيخ: «والذي يَظْهر لي أن قبلها جملةً محذوفةً تكون» حتى «غايةً لها يَدُلُّ عليها ما قبلها. التقديرُ: فلا أكونُ كالكفارِ الذين تَهْمِزُهم الشياطينُ ويَحْضُرونهم، حتى إذا جاء. ونظيرُ حَذْفِها قولُ الشاعر:
٣٤٢٤ فيا عَجَبا حتى كُلَيْبٌ تَسُبُّني. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي: يَسُبُّني الناسُ كلُّهم حتى كُلَيْبٌ. إلاَّ أن في البيت دَلَّ ما بعدها عليها بخلافِ الآيةِ الكريمة.
قوله: {رَبِّ ارجعون} في قوله» ارْجِعُون «بخطابِ الجمع ثلاثةُ أوجهٍ، أجودُها: أنه على سبيلِ التعظيمِ كقولِ الشاعر:
٣٤٢٥ فإنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النساءَ سِواكمُ. . . وإن شِئْتِ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولا بَرْدا
وقال آخر:
٢٣٢٦ ألا فارْحَمُوني يا إلَهَ محمدٍ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قد يُؤْخَذُ من هذا البيتِ ما يَرُدُّ على الشيخ جمال الدين بن مالك حيث قال:» إنه لم يَعْلَمْ أحداً أجاز للداعي يقول: يا رحيمون «. قال:» لئلاَّ يؤْهِمُ خلافَ التوحيِد «. وقد أخْبر تعالى عن نفسه بهذه الصيغةِ وشِبْهِها للتعظيمِ في غيرِ موضعٍ من كتابِه الكريم.
الثاني: أنه نادى ربَّه، ثم خاطب ملائكةَ ربِّه بقوله:» ارْجِعُون «ويجوز على هذا الوجهِ أَنْ يكونَ على حَذْفِ مضافٍ أي: يا ملائكةً ربي، فحذف المضافَ ثم التفت إليه عَوْدِ الضميرِ كقوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} ثم قال: {أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} [الأعراف: ٤] التفاتاً ل» أهل «المحذوف.
الثالث: أنَّ ذلك يَدُلُّ على تكريرِ الفعل، كأنه قال: ارْجِعُون ارْجِعون ارْجِعون. نقله أبو البقاء. وهو يُشْبِهُ ما قالوه في قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: ٢٤] أنه بمعنى: أَلْقِ أَلْقِ ثُنِّي الفعلُ للدلالةِ على ذلك، وأنشدوا قولَه:
٣٤٢٧ قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حبيبٍ ومَنْزِلِ. . . . . . . . . . . . .
أي: قِفْ قِفْ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>