للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كثيراً، وَضَرَبتُه واحِداً، تريد ضربته ضرباً وَاحِداً.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (١٥)

إنْ قَالَ قَائِل: كيف يقال: الجنَّة خير من النَّارِ، وليسَ في النَّارِ خير

ألبتَّةَ، وإنما يقع التفضيل فيما دخل في صنف وَاحدٍ؟

فالجنة والنار قَدْ دُخَلَا في بَابِ المنازِلَِ في صنف واحِدٍ، فلذلك قيل (أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ)، كما قال اللَّه عزَّ وجلَّ: (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (١٦)

مَسْؤولُ ذَلك قول الملائكة (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ).

* * *

وقوله: (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (١٨)

لما سُئِلَتْ المَلائكةُ فَقِيلَ: (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ).

وجائز أن يكونَ الخِطَابُ لِعِيسَى والعُزَيْرِ.

وقرأ أبو جَعْفَر المدني وَحْدَهُ: ((قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ [نُتَّخَذَ] مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ)، بِضَم النُّونِ على ما لم يسَمَّ فاعلُه وهذه القراءة عند أكثر النحويين خَطأ (١)، وإنما كانت خطأ لأن " مِنْ " إنَّما يدخل في هذا الباب في الأسماء إذا كانت مَفْعُولَة أولاً، ولا تَدْخُل على مفعول الحال، تقول ما اتخذت مِن أَحَدٍ وَليًّا، ولا يجوز ما اتخذت أَحَداً مِنْ وَليٍّ، لأن " مِن " إِنَّمَا دخلت لأنها تنفي واحداً في معنى


(١) قال السَّمين:
قوله: {أَن نَّتَّخِذَ} فاعلُ «ينبغي» أو مفعولٌ قائمٌ مقامَ الفاعلِ في قراءةِ الأسود. وقرأ العامَّةُ «نَتَّخِذَ» مبنياً للفاعل. و «من أولياء» مفعولُه، وزِيْدَتْ فيه «مِنْ». ويجوز أن يكونَ مفعولاً أولَ على أنَّ «اتَّخَذَ» متعديةٌ لاثنين، ويجوز أَنْ لا تكون المتعديةَ لاثنين بل لواحدٍ، فعلى هذا «مِنْ دونِك» متعلِّقٌ بالاتِّخاذ، أو بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ «أولياء».
وقرأ أبو الدَّرْداء وزيد بن ثابت وأبو رجاء والحسن وأبو جعفر في آخرين «نُتَّخَذَ» مبنيَّاً للمفعول. وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّها المتعديةُ لاثنينِ، والأولُ همز ضمير المتكلمين. والثاني: قولُه: «مِنْ أولياء» و «مِنْ» للتبعيضِ أي: ما كان ينبغي أَنْ نَتَّخِذَ بعضَ أولياء، قاله الزمخشري. الثاني: أنَّ «مِنْ أولياء» هو المفعولُ الثاني ايضاً، إلاَّ أنَّ «مِنْ» مزيدةٌ في المفعولِ الثاني. وهذا مردودٌ: بأنَّ «مِنْ» لا تُزاد في المفعول الثاني، إنما تُزاد في الأولِ. قال ابن عطية: «ويُضْعِفُ هذه القراءةَ دخولُ» مِنْ «في قوله:» مِنْ أولياء «. اعتَرَض بذلك سعيدُ بن جبير وغيرُه». الثالث: أَنْ يكونَ «مِنْ أولياء» في موضعِ الحالِ. قاله ابن جني إلاَّ أنه قال: «ودَخَلَتْ» مِنْ «زيادةً لمكانِ النفيِ المتقدم، كقولك: ما اتَّخذت زيداً مِنْ وكيل». قلت: فظاهرُ هذا أنه جَعَلَ الجارَّ والمجرورَ في موضعِ الحالِ، وحينئذٍ يَسْتحيلُ أَنْ تكونَ «مِنْ» مزيدةً، ولكنه يريدُ أنَّ هذا المجرورَ هو الحالُ نفسُه و «مِنْ» مزيدةٌ فيه، إلاَّ أنه لا تُحفظ زيادةُ «مِنْ» في الحالِ وإنْ كانَتْ منفيةً، وإنما حُفِظ زيادةُ الباءِ فيها على خلافٍ في ذلك. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>