للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)

المعنى فقلْنا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ، وَتُقْرأ أُوَبِي معه، على معنى

عودي في التسبيح معه كلما عاد فيه.

ومن قرأ (أَوِّبِي مَعَه) فمعناه رَجعِي مَعَه، يقال آب يؤوب إذَا رَجَع، وكل ومعنى رَجِّعِي مَعَه سَبِّحي معه ورَجِّعي

التسبيح معه.

وَالطيْرَ - والطَّيْرُ، فالرفع من جهتين.

إحداهما أن يكون نسقاً على ما في (أَوِّبِي)، المعنى يَا جِبَالُ رجِّعي التسبيح أنت والطيْرُ، ويجوز أِنِ يكون مرفوعاً عل البَدَل.

المعنى: يا جبال ويا أيُهَا الطيرُ (أَوِّبِي مَعَه).

والنصْب مِنْ ثَلاثِ جَهاتٍ:

أن يكونَ عطفاً على قوله: " ولقد آتينا داود مِنَا فَضْلاً والطيرَ "

أي وسَخرْنَا له الطيْرَ. حَكى ذلك أبو عبيدة

عن أبي عمرِو بنِ العلاء، ويجوز أن يكون نصباً على النداء.

المعنى: يا جبال أوِّبي مَعَهُ والطيْرَ، كأنَّه قال دعونا الجبال والطير، فالطير

معطوف على مَوْضِع الجِبَالِ في الأصل، وكل منادى - عند البصريين

كلهم - في موضع نصبٍ.

وقد شرحنا حال المضموم في النداء، وأن المعرفة مبني عَلَى الضم.

ويجوز أن يكون " والطيْرَ " نصب على معنى " مع " كما تقول: قمت وزيداً، أي قمت مع زيدٍ، فالمعنى (أَوِّبِي مَعَه) ومع الطير (١).

* * *

وقوله عز وجل: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)

أي: جعلناه لَيِّناً.

وَأَوَّل مَنْ عَمل الدرُوع دَاودُ، وكان ما يُسْتجنُّ به مِنَْ الحديد إنما كانَ قِطَعَ حَدِيدٍ نحو هذه الجَواشِنَ.


(١) قال السَّمين:
قوله: «أَوِّبِيْ» العامَّةُ على فتحِ الهمزةِ وتشديدِ الواوِ، أمراً من التَّأْوِيْب وهو التَّرجِيْع. وقيل: التسبيحُ بلغةِ الحبشة. والتضعيفُ يحتملُ أَنْ يكونَ للتكثيرِ. واختار الشيخ أَنْ يكونَ للتعدِّي. قال: «لأنهم فَسَّروه ب رَجِّعي معه التسبيحَ». ولا دليلَ؛ لأنه تفسيرُ معنى. وقرأ ابنُ عباس والحسنُ وقتادة وابن أبي إسحاق «أُوْبي» بضمِّ الهمزةِ وسكونِ الواو أمراً مِنْ آب يَؤُوْبُ أي: ارْجِعي معه بالتسبيح.
قوله: «والطيرَ» العامَّةُ على نصبِه وفيه أوجهٌ، أحدها: أنه عطفٌ على محلِّ «جبالُ» لأنَّه منصوبٌ تقديراً. الثاني: أنه مفعولٌ معه. قاله الزجاج. ورُدَّ عليه: بأنَّ قبلَه لفظةَ «معه» ولا يَقْتَضي العاملُ أكثرَ مِنْ مفعولٍ معه واحدٍ، إلاَّ بالبدلِ أو العطفِ لا يُقال: «جاء زيدٌ مع بكرٍ مع عمروٍ». قلت: وخلافُهم في تقضية حالَيْنِ يَقْتضي مجيئَه هنا. الثالث: أنه عطفٌ على «فضْلاً» قاله الكسائيُّ. ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ تقديرُه: آتيناه فضلاً وتسبيحَ الطيرِ. الرابع: أنه منصوبٌ بإضمار فعلٍ أي: وسَخَّرْنا له الطيرَ، قاله أبو عمروٍ.
وقرأ السُّلَمِيُّ والأعرج ويعقوب وأبو نوفل وأبو يحيى وعاصم في رواية «والطيرُ» بالرفع. وفيه أوجهٌ: النسقُ على لفظ قوله: «جبالُ». وأُنْشِد قولُه:
٣٧٢٣ ألا يا زيدُ والضَّحاكُ سِيْرا. . . فقد جاوَزْتُما خَمَرَ الطريقِ
بالوجهين. وفي عَطْفِ المعرَّفِ بأل على المنادى المضمومِ ثلاثةُ مذاهبَ. الثاني: عطفُه على الضميرِ المستكنِّ في «أوِّبي». وجاز ذلك للفَصْل بالظرفِ. والثالث: الرفعُ على الابتداءِ، والخبرُ مضمرٌ. أي: والجبالُ كذلك أي: مُؤَوَّبَةٌ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>