للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي الصابر يؤتى بصبره ثواباً فكل من زادت رغبته في الثواب فهو أتمُّ

عَزْم، وقد قال بعض أهل اللغة إن معنى قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) أن منه القصاصَ والعفوَ.

فالعفو أحسنه (١).

* * *

وقوله تعالى: (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (٤٥)

(يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ).

يعني ينظرون إلى النار من طرف خَفِي، قال بعضهم إنهم يُحْشرونَ

عُمْياً فيرونَ النارَ بِقُلوِبهِمْ إذا عُرِضُوا عَلَيْها، وقيل ينظرونَ إليها مُسَارَقَة.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧)

(مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ).

أي ليس لكم مَخلَصٌ من العَذَابِ، ولا تَقْدِرُون أن تنكروا ما تقفون

عليه مِنْ ذُنُوبَكُمْ ولا ما يَنْزِلُ بِكُمْ مِنَ العَذَابِ.

* * *

وقوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)

أي ويجعل ما يهبه من الولد ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا.

فمعنى (يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا) أي يُقْرِنُهُمْ، وكل اثنين يقترن أحدُهما بالآخر فهما زوجان، كل واحد منهما يقال له زوج.

تقول: عندي زوجان من الخفاف، يعني أن عندك من العدد

اثنين أي خُفيْن، وكذلك المرأة وزوجها زوجان (٢).

وقوله: (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا).

أي يجعل المرأة عقيماً، وهي - التي لا تَلِدُ، وكذلك رَجُلُ عقيم أيْضاً لا

يولد له، وكذلك الريح العقيم التي لا يكون عنها مطر وَلَا خيْر.

* * *

وقوله: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)


(١) قال السَّمين:
قوله: {وَلَمَن صَبَرَ}: الكلامُ في اللام بَيِّنٌ كما تقدَّم. فإنْ جَعَلْتَها شرطيةً ف «إنَّ» جوابُ القسمِ المقدَّر، وحُذِفَ جوابُ الشرطِ للدلالةِ عليه. وإنْ كانَتْ موصولةً كان «إنَّ ذلك» هو الخبرُ. وجَوَّز الحوفي وغيرُه أن تكونَ «مَنْ» شرطيةً، وأنَّ ذلك جوابُها على حَذْفِ الفاء على حَدِّ حَذْفِها في البيت المشهور:
٣٩٧٩ مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي الرابط قولان، أحدُهما: هو اسمُ الإِشارةِ إذا أُريد به المبتدأُ، ويكون حينئذٍ على حَذْفِ مضافٍ، تقديره: إنَّ ذلك لَمِنْ ذوي عَزْمِ الأمور والثاني: أنه ضميرٌ محذوفٌ تقديرُه: لمِنْ عَزْمِ الأمورِ منه، أوله. وقولُه: «ولَمَنْ صَبَرَ» عطفٌ على قولِه: «ولَمَنِ انتصَرَ». والجملةُ مِنْ قولِه: «إنما السبيلُ» اعتراضٌ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(٢) قال السَّمين:
قوله: {ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً}: حالٌ، وهي حالٌ لازمةٌ، وسَوَّغ مجيْئَها كذلك: أنَّها بعدما يجوزُ أَنْ يكونَ الأمرُ على خلافه؛ لأنَّ معنى «يُزَوِّجُهم» يَقْرِنُهم. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: لِمَ قَدَّم الإِناثَ أولاً على الذكورِ مع تقديمِهم عليهنَّ، ثم رَجَعَ فقدَّمَهم؟ ولِمَ عَرَّف الذكورَ بعدما نَكَّر الإِناثَ؟ قلت: لأنَّه ذكر البلاءَ في آخر الآية الأولى، وكفرانَ الإِنسان بنسيانِه الرحمةَ السابقةَ، ثم عَقَّبَ بذِكْر مُلْكِه ومشيئتِه وذكرَ قسمةَ الأولادِ فقدَّم الإِناثَ؛ لأنَّ سياق الكلامِ أنه فاعلُ ما يشاءُ لا ما يشاؤه الإِنسانُ، فكان ذِكْرُ الإِناثِ التي مِنْ جملة ما لا يَشاؤه الإِنسانُ أهمَّ، والأهمُّ واجبُ التقديمِ، ولِيَليَ الجنسَ الذي كانت العربُ تَعُدُّه بلاءً، ذكر البلاء، وأخَّر الذكورَ، فلمَّا أَخّرهم تدارَك تأخيرَهم وهم أَحِقَّاءُ بالتقديم بتعريفَهم؛ لأنَّ تعريفَهم فيه تَنْويهٌ وتشهيرٌ، كأنه قال: ويَهَبَ لمَنْ يشاءُ الفرسانَ الأعلامَ المذكورين الذين لا يَخْفَوْن عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسَيْن حقَّه من التقديمِ والتأخيرِ، وعَرَّفَ أنَّ تقديمَهن لم يكُنْ لتقدُّمِهنَّ ولكنْ لمقتضٍ آخر، فقال: ذُكْراناً وإناثاً، كما قال: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} [الحجرات: ١٣] {فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: ٣٩]. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>