للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كبيرةً نحو بلاد الرُّوم وبلاد الشام وبلد خراسان.

ويجوز أن تصرف مصراً إذا جعلته اسماَ لبلد عند جميع النحويين من البصريين (١).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢)

قال سيبويه والخليلْ عطف " أَنَا " بـ (أَمْ) على قوله (أَفَلَا تُبْصِرُونَ)

لأنَّ معنى (أَمْ أَنَا خَيْرٌ) معناه أمْ تُبْصِرُونَ، كأنَّه قال: " أَفَلَا تبصرون أمْ تُبصِرُونَ، قال لأنهم إذَا قالوا أنت خير منه فقد صاروا عنده بُصَرَاءَ، فكأنَّه قال أفلا تبْصِرُونَ أم أنتم بُصَرَاءُ (٢).

وَمَعْنَى (مَهِين) قليل.

يقال شَيءٌ مَهِينٌ أَي قَليلٌ، وهو فعيل من المهانة.

وقوله (وَلَا يَكَادُ يُبِينُ).

قال ذلك لأنه كانت في لسان موسى عليه السلام لثغة، والأنبياء

- صلوات اللَّه عليهم - أجمعون مُبَيِّنونَ بُلَغَاءُ.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣)

كانه لما وَصَفَ نفسه بالمُلْكِ والريَاسَةِ قال: هَلَّا جاء مُوسَى

بشيء يُلْقَى عليه فيكون ذلك أسْوِرَةً مِنْ ذَهَبٍ تدل على أنها

من عند إلهه الذي يدعوكم إلى توحيده، أو هلَّا جاء معه الملائكةُ

مقترنين أي يمشون معه فيَدُلُّونَ على صحة نُبوتهِ، وقد أتى موسى

عليه السلام من الآيات بما فيه دلالة على تثبيت النبُوة، وليس للذين يرسل

إليهم الأنْبِياءُ أَنْ يَقْتَرِحُوا من الآيات ما يريدون هم.

وتقرأ (أساوِرَةٌ مِنْ ذَهب)، ويصلح أن يكون جمعَ الجمعِ تقول أسْوِرَة

وَأَسَاوِرَة، كما تقول: أقوال وأقاويل ويجوز أن يكون جَمَعَ إسْوار وأساورة.


(١) قال السَّمين:
قوله: {وهذه الأنهار}: يجوزُ في «وهذه» وجهان، أحدهما: أَنْ تكونَ مبتدأةً، والواوُ للحالِ. والأنهارُ صفةٌ لاسمِ الإِشارةِ، أو عطفُ بيانٍ. و «تجري» الخبرُ. والجملةُ حالٌ مِنْ ياء «لي». والثاني: أنَّ «هذه» معطوفةٌ على «مُلْك مِصْرَ»، و «تَجْري» على هذا حالٌ أي: أليس مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهارُ جاريةً أي: الشيئان.
قوله: «تُبْصِرونَ» العامَّةُ على الخطابِ لِمَنْ ناداه. وقرأ عيسى بكسر النون أي: تُبْصِروني. وفي قراءةِ العامَّةِ المفعولُ محذوفٌ أي: تُبْصِرون مُلْكي وعَظَمتي. وقرأ فهد بن الصقر «يُبْصِرون» بياء الغَيْبة: إمَّا على الالتفاتِ من الخطاب إلى الغَيْبة، وإمَّا رَدًّا على قوم موسى. اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(٢) قال السَّمين:
قوله: {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ}: في «أم» أقوالٌ، أحدها: أنها منقطعةٌ، فتتقدَّرُ ب بل التي لإِضرابِ الانتقال، وبالهمزة التي للإِنكار. والثاني: أنها بمعنى بل فقط، كقوله:
٤٠٠١ بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَق الضُّحى. . . وصورتِها أم أنتِ في العينِ أَمْلَحُ
أي: بل أنتِ. الثالث: أنها منقطعةٌ لفظاً، متصلةٌ معنىً. قال أبو البقاء: «أمْ هنا منقطعةٌ في اللفظ لوقوع الجملةِ بعدَها في اللفظ، وهي في المعنى متصلةٌ معادِلةٌ؛ إذ المعنى: أنا خيرٌ منه أم لا، وأيُّنا خيرٌ» وهذه عبارةٌ غريبةٌ: أن تكونَ منقطعةً لفظاً، متصلةً معنى، وذلك أنهما معنيان مختلفان؛ فإن الانقطاعَ يَقْتضي إضراباً: إمَّا إبطالاً، وإمّا انتقالاً. الرابع: أنها متصلةٌ، والمعادِلُ محذوفٌ تقديره: أم تُبْصِرون. وهذا لا يجوزُ إلاَّ إذا كانت «لا» بعد أم نحو: أتقومُ أم لا؟ أي: أم لا تقوم. وأزيدٌ عندك أم لا؟ أي: أم لا هو عندك. أمَّا حَذْفُه دون «لا» فلا يجوزُ، وقد جاء حَذْفُ «أم» مع المعادِلِ وهو قليلٌ جداً. قال الشاعر:
٤٠٠٢ دعاني إليها القلبُ إني لأَمْرِها. . . سميعٌ فلا أَدْري أَرُشْدٌ طِلابُها
أي: أم غَيٌّ. وكان الشيخ قد نقل عن سيبويه أنَّ هذه هي «أم» المعادِلَةُ أي: أم تُبْصِرُون الأمرَ الذي هو حقيقٌ أَنْ يُبْصَرَ عنده، وهو أنَّه خيرٌ مِنْ موسى. قال: «وهذا القولُ بدأ به الزمخشريُّ فقال:» أم/ هذه متصلة لأنَّ المعنى: أفلا تُبْصِرون أم تُبْصرون، إلاَّ أنه وَضَعَ قولَه: «أنا خيرٌ» موضعَ «تُبْصِرون»؛ لأنهم إذا قالوا: أنت خيرٌ، فهم عنده بُصَراءُ، وهذا من إنزالَ السببِ منزلةَ المسبب «. قال الشيخ:» وهذا متكلَّفٌ جداً؛ إذ المعادِلُ إنما يكونُ مقابلاً للسابقِ. فإن كان المعادِلُ جملةً فعليةً كان السابقُ جملةً فعليةً أو جملةً اسميةً يتقدَّر منها فعليةٌ، كقوله: {أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: ١٩٣] لأنَّ معناه: أم صَمَتُّم، وهنا لا تتقدَّرُ منها جملةٌ فعليةٌ؛ لأنَّ قولَه: {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ} ليس مقابلاً لقولِه: «أفلا تُبْصِرون». وإن كان السابقُ اسماً كان المعادِلُ اسماً، أو جملةً فعليةً يتقدَّر منها اسمٌ نحو قولِه:
٤٠٠٣ أمُخْدَجُ اليدَيْنِ أم أَتَمَّتِ. . . ف «أتمَّت» معادِلٌ للاسم، فالتقديرُ: أم مُتِمًّا «قلت: وهذا الذي رَدَّه على الزمخشريِّ رَدٌّ على سيبويه؛ لأنه هو السابقُ به، وكذا قولُه أيضاً: إنه لا يُحْذَفُ المعادِلُ بعد» أم «إلاَّ وبعدها» لا «فيه نظرٌ؛ من حيث تجويزُ سيبويه حَذْفُ المعادِلِ دون» لا «فهو رَدٌّ على سيبويهِ أيضاً.
[قوله: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ معطوفةً على الصلةِ، وأَنْ تكونَ مستأنفةً، وأن تكونَ حالاً]. والعامَّة على» يُبين «مِنْ أبان، والباقر» يَبين «بفتحِها مِنْ بان أي: ظهر. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>