للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعدها ليس بصفة لما قبلها، وأن المتكلم يأتي بخبر الأول. ويسميها الكوفيون

العِمَاد.

وهي عِندَ البصريينِ لا موضع لها في رفع ولا نصب ولَا جَرٍّ، ويزعَمُون

أنها بمنزلة (ما) في قوله سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)

وقد فسرت ما في هذا فيما تقدم من الكتاب

ويجوز " ولكن كانوا هم الظالِمُونَ " في غير القرآن، ولكن لا تقرأنَّ بها لأنَّها تُخَالِفُ المُصْحفَ.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ

[(٧٧)]

وقد رُوَيَتْ يَا مَالِ - بغير كاف، وبكسْر اللام - وهذا يسميه النحوُّيونَ

الترَخيم، وهو كثير في الشِعْر في مالك وعامر ولكنني أَكْرَهُهُمَا لمخالفتهما

المصحف.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩)

أي أم أحكموا عند أنْفُسِهِمْ أَمراً من كيد أو شَرٍّ فَإنا مُبْرِمُونَ.

مُحْكِمُونَ مُجَازَاتَهم كيداً بكيدِهِمْ، وشَرًّا بِشَرِّهِمْ.

* * *

وقوله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)

معناه إنْ كنتم تزعمون أن للرحمن وَلَداً فانا أول الموَحِّدِينَ لأن من عبد

الله - عزَّ وجلَّ - واعترف بأنه إلهه فقد دفع أن يكون له وَلَدٌ.

والمعنى أن كان للرحمن ولد في قولكم، كما قال: (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أي في قولكم. واللَّه واحد لا شريك له.

وقد قيل إنَّ (إنْ) في هذا الموضع في موضع (ما)

المعنى ما كان للرحمن وَلَد، (فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ).

وقد قيل إن العابدين في معنى الآنفين، فأنا أول من يأنف من هذا القول.


(١) قال الإمام فخر الدين الرَّازي بعد كلام طويل ما نصُّه:
المعنى أنه تعالى قال: {قُلْ} يا محمد {إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} لذلك الولد وأنا أول الخادمين له، والمقصود من هذا الكلام بيان أنى لا أنكر ولده لأجل العناد والمنازعة فإن بتقدير أن يقوم الدليل على ثبوت هذا الولد كنت مقراً به معترفاً بوجوب خدمته إلا أنه لم يوجد هذا الولد ولم يقم الدليل على ثبوته ألبتة، فكيف أقول به؟ بل الدليل القاطع قائم على عدمه فكيف أقول به وكيف أعترف بوجوده؟ وهذا الكلام ظاهر كامل لا حاجة به ألبتة إلى التأويل والعدول عن الظاهر، فهذا ما عندي في هذا الموضع ونقل عن السدي من المفسرين أنه كان يقول حمل هذه الآية على ظاهرها ممكن ولا حاجة إلى التأويل، والتقرير الذي ذكرناه يدل على أن الذي قاله هو الحق، أما القائلون بأنه لا بد من التأويل فقد ذكروا وجوهاً الأول: قال الواحدي كثرت الوجوه في تفسير هذه الآية، والأقوى أن يقال المعنى {إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} في زعمكم {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} أي الموحدين لله المكذبين لقولكم بإضافة الولد إليه، ولقائل أن يقول إما أن يكون تقدير الكلام: إن يثبت للرحمن ولد في نفس الأمر فأنا أول المنكرين له أو يكون التقدير إن يثبت لكم ادعاء أن للرحمن ولداً فأنا أول المنكرين له، والأول: باطل لأن ثبوت الشيء في نفسه لا يقتضي كون الرسول منكراً له، لأن قوله إن كان الشيء ثابتاً في نفسه فأنا أول المنكرين يقتضي إصراره على الكذب والجهل وذلك لا يليق بالرسول، والثاني: أيضاً باطل لأنهم سواء أثبتوا لله ولداً أو لم يثبتوه له فالرسول منكر لذلك الولد، فلم يكن لزعمهم تأثير في كون الرسول منكراً لذلك الولد فلم يصلح جعل زعمهم إثبات الولد مؤثراً في كون الرسول منكراً للولد.
الوجه الثاني: قالوا معناه: إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتدت أنفته فهو عبد وعابد، وقرأ بعضهم (عبدين).
واعلم أن السؤال المذكور قائم ههنا لأنه إن كان المراد: إن كان للرحمن ولد في نفس الأمر فأنا أول الآنفين من الإقرار به، فهذا يقتضي الإصرار على الجهل والكذب، وإن كان المراد إن كان للرحمن ولد في زعمكم واعتقادكم فأنا أول الآنفين، فهذا التعليق فاسد لأن هذه الأنفة حاصلة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن هذا التعليق جائزاً.
والوجه الثالث: قال بعضهم إن كلمة إن ههنا هي النافية والتقدير ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له.
واعلم أن التزام هذه الوجوه البعيدة إنما يكون للضرورة، وقد بينا أنه لا ضرورة ألبتة فلم يجز المصير إليها، والله أعلم. أهـ {مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ١٩٧ - ١٩٨}
وقال السَّمين:
قوله: {إِن كَانَ للرحمن}: قيل: هي شرطيةٌ على بابِها. واخْتُلِفَ في تأويلِه فقيل: إنْ صَحَّ ذلك فأنا أولُ مَنْ يَعْبُده لكنه لم يَصِحَّ ألبتَّةََ بالدليلِ القاطعِ، وذلك أنَّه عَلَّق العبادةَ بكيْنونة الولدِ، وهي مُحالٌ في نفسِها، فكان المُعَلَّقُ بها مُحالاً مثلَها، فهو في صورةِ إثباتِ الكينونةِ والعبادةِ، وفي معنى نَفْيهِما على أَبْلغِ الوجوهِ وأَقْواها، ذكره الزمخشريُّ. وقيل: إن كان له ولدٌ في زَعْمِكم. وقيل: العابدين بمعنى: الآنفين. مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ إذا اشْتَدَّ أَنَفَةً فهو عَبِدٌ وعابِدٌ. ويؤيِّدُه قراءةُ السُّلَميِّ واليماني «العَبِدين» دون ألفٍ. وحكى الخليل قراءةً غريبةً وهي «العَبْدِيْن» بسكون الباءِ، وهي تخفيفُ قراءةِ السُّلَمي فأصلها الكسرُ. قال ابنُ عرفة: «يقال: عَبِدَ بالكسر يَعْبَد بالفتح فهو عَبِد، وقلَّما يقال: عابِد، والقرآن لا يجيْءُ على القليلِ ولا الشاذِّ». قلتُ: يعني فتخريج مَنْ قال: إنَّ العابدين بمعنى الآنفين لا يَصِحُّ، ثم قال كقول مجاهد. وقال الفرزدق:
٤٠١٠ أولئك آبائي فجِئْني بمثْلِهم. . . وأَعْبَدُ أنْ أَهْجُوْ كُلَيْباً بدارِمِ
أي: آنَفُ. وقال آخر:
٤٠١١ متى ما يَشَأْ ذو الوُدِّ يَصْرِمْ خليلَه. . . ويُعْبَدْ عليه لا مَحالةَ ظالما
وقال أبو عبيدة: «معناه الجاحِدين». يقال: عَبَدَني حَقِّي أي: جَحَدنيه. وقال أبو حاتم: «العَبِدُ بكسر الباءِ: الشديدُ الغَضَبِ»، وهو معنى حسنٌ أي: إنْ كان له ولدٌ على زَعْمِكم فأنا أولُ مَنْ يَغْضَبُ لذلك.
وقيل: «إنْ» نافيةٌ أي: ما كان، ثم أَخْبَرَ بقولِه: {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} وتكونُ الفاءُ سببيةً. ومنع مكي أَنْ تكونَ نافيةً قال: «لأنه يُوْهِمُ أنَّك إنما نَفَيْتَ عن الله الولدَ فيما مضى دونَ ما هو آتٍ، وهذا مُحالٌ».
وقد رَدَّ الناسُ على مكيّ، وقالوا: كان قد تَدُلُّ على الدوامِ كقوله: {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: ٩٦] إلى ما لا يُحْصَى، والصحيحُ من مذاهبِ النحاةِ: أنها لا تدُلُّ على الانقطاعِ، والقائلُ بذلك يقولُ: ما لم يكنْ قرينة كالآياتِ المذكورةِ. وتقدَّمَ الخلافُ في قراءَتَيْ: وَلَد ووُلْد في مريم. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>