للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)

جاء في التفسير أنها ذات الخلق الحسن، وأهل اللغة يقولون ذات

الحبك ذات الطرائق الحسنة، والمحبوك في اللغة ما أُجِيدَ عَمَلهُ وكل ما تراه

من الطرائق في الماء وفي الرمل إذا أصابته الريح فهو حبك، وواحدها حِبَاك.

مثل مِثَال ومُثُل، وتكون واحدتها أيضاً حبيكة مثل طريقة وطرق (١).

* * *

وقوله: (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)

أي في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -

* * *

(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)

أي يُصرف عنه من صُرِفَ.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)

هم الكذابون، تقول: قد تَخَرَّصَ عليَّ فُلان الباطل.

ويجوز أن يكون الخرَّاصون الذين يتظنون الشيء لا يُحِقونه، فيعملون بما لا يدرون صحته.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢)

ويجوز إِيَّانَ بكسر الهمزة وفتحها، أي يقولون متى يوم الجزاء.

* * *

وقوله: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)

بنصب يوم، ويجوز يَوْمُ هم على النَّار يفتنونَ.

فمن نَصَبَ فهو على وجْهَين:

أحدهما على معنى يقع الجزاء يَوْمَ هُمْ عَلى النار يفْتَنونَ

ويجوز أن يكون لفظه لفظَ نَصْبٍ ومعناه معنى رفع، لأنه مضاف إلى جملة كلام، تقول: يعجبني يَوْمَ أنْتَ قَائِمٌ، ويوم أنت قائم، ويوْمُ أنْتَ تَقُومُ، وإن شئت فتحت وهو في موضع رفع

كما قال الشاعر:

لم يَمْنع الشُّرْبَ منها غَيْرَ أَن نطقت. . . حمامة في غُصُونٍ ذاتِ أَوْقالِ

وقد رويت غَيْر أن نطقت، لما أضاف غير إلى أن وليست بِمُتَمكَنةٍ

فتح، وكذلك لما أضاف يوم إِلى (هُمْ علَى النَّارِ) فتح.

وكما قرئت:


(١) قال السَّمين:
قوله: {ذَاتِ الحبك}: العامَّةُ على «الحُبُك» بضمتين وهي الطرائقُ نحو: طرائق الرَّمْل والماءِ إذا صَفَقَتْه الريحُ، وحُبُك الشَّعْر: آثارُ تَثَنِّيه وتَكَسُّرِه. قال زهير:
٤١٠٢ مُكَلَِلٌ بأصولِ النجم تَنْسُجُه. . . ريحُ حَريقٍ لضاحي مائِه حُبُكُ
والحُبُكُ: جمعٌ يُحتمل أَنْ يكونَ مفردُه «حَبيكة» كطريقةٍ وطُرُق أو حباكِ نحو: حِمار وحُمُر. قال الراجز:
٤١٠٣ كأنَّما جَلَّلها الحُوَّاكُ. . . طِنْفِسَةٌ في وَشْيِها حِباكُ
وأصلُ الحَبْكِ: إحكامُ الشيءِ وإتقانُه، ومنه يقال للدِّرع: مَحْبوكة. وقيل: الحَبْكُ الشَّدُّ والتوثُّقُ. قال امرؤ القيس:
٤١٠٤ قد غدا يَحْمِلُنِي في أَنْفِه. . . لاحِقُ الإِطْلَيْنِ مَحْبوكٌ مُمَرّْ
وفي هذه اللفطةِ قراءاتٌ كثيرةٌ: فعن الحسن ستٌ: الحُبُك بالضم كالعامَّةِ، الحُبْك بالضمِّ والسكون، وتُروى عن ابن عباس وأبي عمروٍ، الحِبِك بكسرهما، الحِبْك بالكسر والسكون، وهو تخفيف المكسور، الحِبَك بالكسر والفتح، الحِبُك بالكسر والضم. فهذه سِتٌّ أقلقُها الأخيرةُ؛ لأنَّ هذه الزِّنةَ مهملةٌ في أبنية العربِ، قال ابنُ عطية وغيرُه: «هو من التداخُلِ» يعني: أن فيها لغتين: الكسرَ في الحاء والباء والضمَّ فيهما، فأخذ هذا القارىءُ الكسرَ من لغةٍ والضمَّ مِنْ أخرى. واستبعدها الناسُ؛ لأن التداخُلَ إنما يكون في كلمتين. وخَرَّجها الشيخ على أن الحاءَ أُتْبِعَتْ لحركة التاءِ في «ذات» قال: «ولم يَعْتَدَّ باللام فاصلةً لأنها ساكنةٌ فهي حاجزٌ غيرُ حصينٍ». وقد وافق الحسنَ على هذه القراءةِ أو مالك الغفاريُّ. وقرأ عكرمةُ بالضمِّ والفتح جمعَ «حُبْكَة» نحو: غُرْفة وغُرَف. وابن عباس وأبو مالك «الحَبَك» بفتحتين جمعُ «حَبَ‍كة» كعَقَبة وعَقَب، فهذه ثمانِ قراءات.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>