للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الهاء تعود على الطعام، المعنى يطعمون الطعام أشد ما تكون

حاجتهم إليه للمسكين، وَوَصَفُهُم الله بالأثرة عَلَى أنْفُسِهِم.

(وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا).

الأسير قيل كان في ذلك الوقت من الكُفَّار، وقَدْ مُدِحَ من يطعم الأسير

وهو كافرٌ، فكيف بأسَارَى المسلمين.

وهذا يدل عَلَى أَنَ في إطعام أهل الحبوس ثواباً جزيلا، وأَهْل الحبوس أُسَرَاء.

* * *

وقوله: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (٩)

المعنى يقولون إنما نطعمكم لوجه اللَّه، أي لطلب ثواب اللَّه - عزَّ وجلَّ -

وجائر أن يكونوا يطعمون ولا ينطقونَ هذا القول ولكن معناهم في أطعَامِهمِ

هذا، فَتُرْجِمَ مَا في قُلُوبِهِم، وكذلك:

* * *

(إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (١٠)

العبوس الذي يُعَبِّسُ الوُجُوهَ، وهذا مثل قوله: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ).

وقَمْطَرِيراً، يقال يوم قمطرير ويؤْم قُماطر إذا كان شَديداً غليظاً، وجاء في

التفسير أن قمطريرا معناه تَعْبسُ فَيجمعُ مَا بينَ العينين وهذا سائغ في اللغة.

يقال اقمَطَرتْ النَّاقَةُ إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها وَرمَتْ بأنفها.

* * *

وقوله (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (١٣)

واحدتها أريكة، وجاء في التفسير أَنَهَا من الحِجَالُ فيها الفرش وفيها

الأسِرَّةُ.

وفي اللغة أن كل متكأ عليه فَهُوَ أريكَة.

ونصب (مُتَّكِئِينَ) على الحال

المعنى وجزاهم جنَّة في حَالِ اتكائهم فيها.

وكذلك: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (١٤)

وجائز أن يكون دانية نعتاً للجنة.

المعنى وجزاهم جنة دانية عَليْهِمْ ظِلَالُهَا (١)

* * *

(وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا).


(١) قال السَّمين:
قوله: {وَدَانِيَةً}: العامة على نصبِها وفيها أوجهٌ، أحدُها: أنها عطفُ على محلِّ «لا يَرَوْن». الثاني: أنها معطوفة على «مُتَّكئين»، فيكونُ فيها ما فيها. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ودانيةً عليهم ظلالُها علامَ عُطِف؟ قلت: على الجملةِ التي قبلها، لأنَّها في موضع الحال من المَجْزِيِّيْنَ، وهذه حالٌ مثلُها عنهم، لرجوعِ الضميرِ منها إليهم في» عليهم «إلاَّ أنَّها اسمٌ مفردٌ، وتلك جماعةٌ في حكمِ مفردٍ، تقديره: غيرَ رائين فيها شَمْساً ولا زَمْهريراً ودانية. ودخلت الواوُ للدَّلالة على أن الأمرَيْن مجتمعان لهم. كأنَّه قيل: وجَزاهم/ جنةً جامِعِيْنَ فيها: بين البُعْدِ عن الحَرِّ والقُرِّ ودُنُوِّ الظِّلالِ عليهم. الثالث: أنها صفةٌ لمحذوفٍ أي: وجنةً دانِيَةً، قاله أبو البقاء. الرابع: أنها صفةٌ ل» جنةٌ «الملفوظِ بها، قاله الزجَّاج.
وقرأ أبو حيوةَ» ودانِيَةٌ «بالرفع. وفيها وجهان، أظهرهما: أَنْ يكونَ» ظلالُها «مبتدأ و» دانيةٌ «خبرٌ مقدمٌ. والجملةُ في موضعِ الحال. قال الزمخشري:» والمعنى: لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً ولا زَمْهريراً، والحالُ أنَّ ظلالَها دانِيَةٌ عليهم «. والثاني: أَنْ ترتفعَ» دانيةٌ «بالابتداء، و» ظلالُها «فاعلٌ به، وبها استدلَّ الأخفشُ على جوازِ إعمالِ اسمِ الفاعلِ، وإنْ لم يَعْتَمِدْ نحو:» قائمٌ الزيدون «، فإنَّ» دانية «لم يعتمِدْ على شيءٍ مِمَّا ذكره النَّحْويُّون، ومع ذلك فقد رُفِعَتْ» ظلالُها «وهذا لا حُجَّة له فيه؛ لجوازِ أَنْ يكونَ مبتدأً وخبراً مقدَّماً كما تقدَّم.
وقال أبو البقاء:» وحُكِيَ بالجَرِّ أي: في جنَّةٍ دانية. وهو ضعيفٌ؛ لأنه عُطِفَ على الضميرِ المجرورِ من غيرِ إعادةِ الجارِّ «. قلت: يعني أنَّه قُرِىء شاذاً» ودانِيَةٍ «بالجَرِّ على أنها صفةٌ لمحذوفٍ، ويكونُ حينئذٍ نَسَقاً على الضميرِ المجرورِ بالجَرِّ مِنْ قولِه:» لا يَرَوْنَ فيها «أي: ولا في جنةٍ دانيةٍ. وهو رَأْيُ الكوفيين: حيث يُجَوِّزون العطفَ على الضميرِ المجرورِ مِنْ غيرِ إعادةِ الجارِّ؛ ولذلك ضَعَّفَه، وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك مُشْبعاً في البقرة.
وأمَّا رَفْعُ» ظلالُها «فيجوزُ أَنْ يكونَ مبتدأً و» عليهم «خبرٌ مقدمٌ، ولا يرتفع ب» دانية «؛ لأنَّ» دنا «يتعدَّى ب» إلى «لا ب» على «. والثاني: أنها مرفوعةٌ ب» دانية «على أَنْ تُضَمَّن معنى» مُشْرِفَة «لأنَّ» دنا «و» أَشْرَفَ «يتقاربان، قال معناه أبو البقاء، وهذان الوجهان جاريان في قراءةِ مَنْ نصبَ» دانيةً «أيضاً.
وقرأ الأعمش» ودانِياً «بالتذكير للفَصْلِ بين الوَصْفِ وبين مرفوعِه ب» عليهم «، أو لأنَّ الجمعَ مذكرٌ.
وقرأ أُبَيٌّ «ودانٍ عليهم» بالتذكير مرفوعاً، وهي شاهدةٌ لمذهبِ الأخفشِ، حيث يرفع باسمِ الفاعلِ. وإنْ لم يَعْتَمِد. ولا جائزٌ أَنْ يُعْرَبا مبتدأً وخبراً مقدَّماً لعدمِ المطابقةِ. وقال مكي: «وقُرِىء» دانِياً «ثم قال:» ويجوزُ «ودانيةٌ» بالرفعِ، ويجوزُ «دانٍ» بالرفعِ والتذكيرِ «ولم يُصَرِّح بأنهما قُرِئا، وقد تقدَّم أنهما مقروءٌ بهما فكأنَّه لم يَطَّلِعْ على ذلك.
قوله: {وَذُلِّلَتْ} يجوزُ أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ على الحال عطفاً على» دانِيَةً «فيمَنْ نَصَبَها أي: ومُذَلَّلةً. ويجوزُ أَنْ تكونَ حالاً من الضميرِ في» عليهم «سواءً نَصَبْتَ» دانِيَةً «أو رَفَعْتَها، أم جَرَرْتَها. ويجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً. وأمَّا على قراءةِ رفعِ» ودانيةٌ «فتكونُ جملةً فعليةً عُطِفَتْ على اسميَّةٍ. ويجوز أَنْ تكونَ حالاً كما تقدَّمَ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>