للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (١٨)

المعنى يسقون عيناً، وسَلْسَبِيل اسم العَيْن إلا أنه صرف لأنه رأس آية.

وسَلْسَبيل في اللغَةِ صفَة لما كان في غاية السلاسة، فكأنَّ العيق - واللَّه أعلم - سميت بصفتها (١).

* * *

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (١٩)

أي يخدمهم وصفاء مُخَلَّدُونَ، وتأويل (مُخَلَّدُونَ) أي لا يجوز واحد منهم

حَدَّ الوَصَافة أَبداً هو وصيف، والعرب تقول للرجل الذي لا يشيب: هو

مُخَلَّدٌ. ويقال مُخَلَّدُونَ محلَّون عليهم الحلَى، ويقال لجماعة الحلى الخَلَدَة.

* * *

وقوله: (حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا).

أي هم في حسن ألوأنهم وصفائها كاللؤلؤ المنثور.

* * *

قوله: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (٢٠)

جاء في التفسير أنه " ملكا كبيراً " أنهم تسلم عليهم الملائكة.

وجَاء أَيضاً تستأذن عليهم الملائكة، وَ (ثَمَّ) يعنَى به الجنة، والعامل في (ثَمَّ) مَعْنَى رَأيْتَ.

المعنى وَإذَا رأيت ببصرك (ثَمَّ).

وقيل المعنى وإذا رأيت مَا (ثَمَّ) رَأَيتَ نَعِيماً

وهذا غَلَطٌ لأن ما موصولة بقوله (ثَمَّ) على هذا التفسير -

ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة، ولكن " رأيت " يتعدى في المعنَى إلى (ثَمَّ).

* * *

وقوله: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١)

(عَالِيْهُمْ)

بإسكان الياء، وَقرِئَتَ (عَالِيَهُمْ) - بفتح الياء - وقرئت عَلَيْهم - بغير ألف (ثِيَابُ سُنْدُسٍ).

وهذه الثلاثة توافق المصحف وكلها حسن في العربية، وقرئ على وجهين

غير هذه الثلاثة.

قرئت (عَالِيَتُهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ) - بالرفع والتأنيث -

وَ (عَالِيَتَهُمْ) بالنَّصْبِ - وهذا الوجهان جَيِّدان في العربية إلا أَنَهمَا يخالفان


(١) قال السَّمين:
قوله: {سَلْسَبِيلاً}: السَّلْسَبيل: ما سَهُل انحدارُه في الحَلْف. قال الزجاج: «هو في اللغة صفةٌ لِما كان في غايةِ السَّلاسَة». وقال الزمخشري: «يقال: شَرابٌ سَلْسَلٌ وسَلْسالٌ وسَلْسبيل، وقد زِيْدت الباءُ في التركيبِ حتى صارَتِ الكلمةُ خماسيَّةً، ودَلَّتْ على غايةِ السَّلاسَةِ». قال الشيخ: «فإنْ كان عَنى أنَّه زِيْدت حقيقةً فليس بجيدٍ؛ لأنَّ الباءَ ليسَتْ من حروف الزيادةِ المعهودةِ في علمِ النحوِ، وإنْ عَنَى أنها حرفٌ جاء في سِنْخِ الكلمةِ، وليس في سَلْسَل ولا سَلْسال فَيَصِحُّ، ويكون مما اتَّفَقَ معناه، وكان مختلفاً في المادة». وقال ابن الأعرابي: «لم أسمَعْ السَّلْسبيلَ إلاَّ في القرآنِ». وقال مكي: «هو اسمٌ أعجميُّ نكرةٌ، فلذلك صُرِفَ».
ووزن سَلْسَبيل: فَعْلَلِيْل مثلَ «دَرْدَبيس». وقيل: فَعْفَليل؛ لأنَّ الفاءَ مكررةٌ. وقرأ طلحةُ «سَلْسَبيلَ» دونَ تنوينٍ ومُنِعَتْ من الصرف للعلميَّةِ والتأنيث؛ لأنها اسمٌ لعَيْنٍ بعينها، وعلى هذا فكيف صُرِفَتْ في قراءةِ العامَّةِ؟ فيُجاب: بأنُّه سُمِّيَتْ بذلك لا على جهة العَلَمِيَّة بل على جهة الإطلاقِ المجرَّدِ، أو يكونُ مِنْ بابِ تنوين {سَلاَسِلَ} [الإِنسان: ٤] {قَوَارِيرَاْ} [الإِنسان: ١٥] وقد تقدَّمَ. وأغربُ ما قيل في هذا الحرف أنه مركبٌ من كلمَتَيْن: مِنْ فعلِ أمرٍ وفاعلٍ مستترٍ ومفعولٍ. والتقدير: سَلْ أنت سَبيلا إليها. قال الزمخشري: «وقد عَزَوْا إلى عليٍّ رضي الله عنه أنَّ معناه: سَلْ سبيلاً إليها». قال: «وهذا غيرُ مستقيمٍ على ظاهِره، إلاَّ أنْ يُرادَ أنَّ جملةَ قولِ القائلِ» سَلْ سبيلاً «جَعِلَتْ عَلَماً للعين، كما قيل: تأبَّط شَرَّاً وذَرَّى حبَّا. وسُمِّيت بذلك لأنه لا يَشْرَبُ منها إلاَّ مَنْ سأل سبيلاً إليها بالعمل الصالِح، وهو مع استقامتِه في العربية تكلُّفٌ وابتداعٌ وعَزْوُه إلى مثلِ عليّ عليه السلام أَبْدَعُ. وفي شعرِ بعضِ المُحْدَثين:
٤٤٥١ سَلْ سبيلاً فيها إلى راحةِ النَّفْ. . . سِ براحٍ كأنَّها سَلْسَبيلُ
قال الشيخ بعد تعجُّبِه مِنْ هذا القول:» وأَعْجَبُ مِنْ ذلك توجيهُ الزمخشريِّ له واشتغالُه بحكايتِه «. قلت: ولو تأمَّل ما قاله الزمخشريُّ لم يَلُمْه، ولم يتعجَّبْ منه؛ لأنَّ الزمخشري هو الذي شَنَّعَ على هذا القولِ غاية التشنيع. وقال أبو البقاء:» والسلسبيلُ كلمةٌ واحدةٌ «. وفي قوله:» كلمة واحدة «تلويحٌ وإيماءٌ إلى هذا الوجهِ المذكور.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>