للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعي بِخَيْريْ بَني أَسَدْ. . . بعمرو بن مَسْعودٍ وبالسَّيدِ الصَّمَدْ

وقيل الصمد الذي لا جوف له، وقيل الصمد الذي صَمَدَ له كل شيءٍ

والذي خلق الأشياء كلها، لا يستغنى عنه شيء وكلها تدل على وحدانيته وهذه الصفات كلها يجوز أن تكون للَّهِ عزَّ وجلَّ.

* * *

وقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)

فيها أربعة أوجه في القراءة.

(كُفُواً) بضم الكاف والفاء، وكُفْواً بضم الكاف وسكون الفاء

وكِفْواً " بكسر الكاف وسكون الفاء.

وقد قرئ بها.

وكِفَاء بكسر الكاف.

والكَفْء - بفتح الكاف وسكون الفاء اسم. لم يقرأ بها.

وفيها وجه آخر لا يجوز في القراءة.

ويقال فلان كُفءُ فلان مثل كُفِيّ فلان (١).

جاء في الحديث أن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)

تعدل بثلث القرآن، و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) تعدل ربع القرآن.

و (إِذَا زُلْزِلَتِ) تعدل نصف القرآن.


(١) قال السَّمين:
قوله: {الصمد}: فَعَل بمعنى مَفْعُول كالقَبَضِ والنَّقَضِ. وهو السَّيِّدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائجِ، أي: يُقْصَدُ ولا يَقْدِرُ على قضائِها إلاَّ هو. وأنشد:
٤٦٧٧ ألا بَكَّرَ النَّاعي بخَيْرِ بني أسدْ. . . بعَمْرِو بن مسعودٍ وبالسَّيِّد الصَّمَدْ
وقال الآخر:
٤٦٧٨ عَلَوْتُه بحُسامٍ ثم قُلْتُ له. . . خُذْها حُذَيْفُ فأنتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ
وقيل: الصَّمَدُ: هو الذي لا جَوْفَ له، ومنه قوله:
٤٦٧٩ شِهابُ حُروبٍ لا تَزال جيادُه. . . عوابِسَ يَعْلُكْنَ الشَّكِيْمَ المُصَمَّدا
وقال ابن كعب: تفسيرُه ما بعده مِنْ قولِه: «لم يَلِدْ ولم يُوْلَدُ» وهذا يُشْبِهُ ما قالوه في تفسير الهَلوع. والأحسنُ في هذه الجملة أَنْ تكون مستقلةً بفائدةِ هذا الخبرِ. ويجوز أنْ يكونَ «الصَّمَدُ» صفةً. والخبرُ في الجملةِ بعده، كذا قيل: وهو ضعيفٌ، من حيث السِّياقُ، فإنَّ السِّياقَ يَقْتضي الاستقلالَ بأخبارِ كلِّ جملةٍ.
قوله: {كُفُواً أَحَدٌ}: في نصبِه وجهان، أحدُهما: أنه خبرُ «يكنْ» و «أحدٌ» اسمُها و «له» متعلِّقٌ بالخبر، اي: ولم يكُنْ أحدٌ كُفُواً له. وقد رَدَّ المبردُ على سيبويهِ بهذه الآيةِ، من حيث إنه يزعمُ أنه إذا تَقَدَّم الظرفُ كان هو الخبرَ، وهنا لم يَجْعَلْه خبراً مع تقدُّمِه.
وقد رُدَّ على المبردِ بوجهَيْن، أحدُهما: أنَّ سيبويهِ لم يُحَتِّمْ ذلك بل جَوَّزه. والثاني: أنَّا لا نُسَلِّم أن الظرفَ هنا ليس بخبرٍ بل هو خبرٌ، ونصبُ «كُفُواً» على الحال على ما سيأتي بيانُه. وقال الزمخشري: «الكلامُ العربيُّ الفصيحُ أَنْ يؤخَّرَ الظرفُ الذي هو لَغْوٌ غيرُ مستقِرِّ ولا يُقَدَّمَ. وقد نَصَّ سيبويه في» كتابِه «على ذلك، فما بالُه مُقَدَّماً في أَفْصَحِ كلامٍ وأَعْرَبِه؟ قلت: هذا الكلامُ إنما سِيْقَ لنَفْيِ المكافأةِ عن ذاتِ الباري تعالى، وهذا المعنى مَصَبُّه ومَرْكَزُه هو هذا الظرفُ، فكان لذلك أهمَّ شيءٍ وأَعْناه وأحقَّه بالتقديمِ وأَحْراه».
والثاني: أَنْ يُنْصَبَ على الحال مِنْ «أحد» لأنَّه كان صفتَه فلمَّا تقدَّم عليه نُصِب حالاً، و «له» هو الخبر. قاله مكي وأبو البقاء وغيرُهما. ويجوز أَنْ يكونَ حالاً من الضمير المستكِنِّ في الجارِّ لوقوعِه خبراً. قال الشيخ بعد أَنْ حكى كلامَ الزمخشري ومكي: «وهذه الجملةُ ليسَتْ من هذا البابِ وذلك أنَّ قولَه: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} ليس الجارُّ والمجرورُ فيه تامَّاً، إنما ناقصٌ لا يَصْلُحُ أَنْ يكونَ خبراً ل» كان «بل هو متعلِّقٌ ب» كُفُواً «وقُدِّمَ عليه. التقدير: ولم يكنْ أحدٌ مكافِئاً له، فهو في معنى المفعولِ متعلِّقٌ ب» كُفُواً «وتَقَدَّم على» كُفُواً «للاهتمامِ به، إذ فيه ضميرُ الباري تعالى، وتوسَّطَ الخبرُ وإنْ كان الأصلُ التأخيرَ؛ لأنَّ تأخيرَ الاسمِ هو فاصلةٌ فحَسُنَ ذلك.
وعلى هذا الذي قَرَّرْناه يَبْطُل إعرابُ مكي وغيرِه أنَّ» له «الخبرُ، و» كُفُواً «حالٌ مِنْ» أحد «لأنه ظرفٌ ناقصٌ لا يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً. وبذلك يَبْطُل سؤالُ الزمخشريِّ وجوابُه. وسيبويه إنما تكلَّم في الظرفِ الذي يَصْلُحُ أَنْ يكونَ خبراً وأنْ لا يكون. قال سيبويه:» وتقول: ما كان فيها أحدٌ خيرٌ منك، وما كان [أحدٌ] مثلُك فيها، وليس أحدٌ فيها خيرٌ منك، إذا جعلت «فيها»: مستقراً، ولم تجعَلْه على قولك: فيها زيدٌ قائمٌ أَجْرَيْتَ الصفةَ على الاسم. فإن جَعَلْتَه على «فيها زيدٌ قائمٌ» نَصَبْتَ فتقول: ما كان فيها أحدٌ خيراً منك، وما كان أحدٌ خيراً منك فيها، إلاَّ أنَّكَ إذا أرَدْتَ الإِلْغاءَ فلكما أَخَّرْتَ المُلْغَى فهو أَحْسَنُ، وإذا أرَدْتَ أَنْ يكونَ مستقرَّاً فكلما قَدَّمْته كان أحسنَ، والتقديمُ والتأخيرُ والإِلغاءُ والاستقرارُ عربيٌُّ جيدٌ كثيرٌ قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} وقال الشاعر:
٤٦٨٠ ما دامَ فيهِنَّ فَصِيْلٌ حَيَّاً. . . انتهى كلامُ سيبويه. قال الشيخ: «فأنت ترى كلامَه وتمثيلَه بالظرف الذي يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً. ومعنى قولِه» مستقرَّاً «أي: خبراً للمبتدأ أو لكان. فإن قلتَ: فقد مَثَّل بالآية. قلت: هذا أوقَع مكيَّاً والزمخشريَّ وغيرَهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أنَّ الظرفَ التامَّ وهو في قولِه:
ما دامَ فيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّاً. . . أُجْري فَضْلةً لا خبراً كما أنَّ» له «في الآية أُجْرِي فَضْلَةً فجعلَ الظرفَ القابلَ أن يكونَ خبراً كالظرفِ الناقصِ في كونِه لم يُستعمل خبراً. ولا يَشُكُّ مَنْ له ذِهْنٌ صحيحٌ أنه لا ينعقدُ كلامٌ مِنْ» له أحد «بل لو تأخَّرَ» كُفُو «وارتفع على الصفةِ وقد جَعَل» له «خبراً لم ينعقِدْ منه كلامٌ. بل أنت ترى أنَّ النفيَ لم يتسلَّطْ إلاَّ على الخبرِ الذي هو» كُفُواً «والمعنى: لم يكنْ أحدٌ مكافِئَه» انتهى ما قاله الشيخ.
وقوله: «ولا يَشُكُّ أحدٌ» إلى آخره تَهْوِيلٌ على الناظرِ. وإلاَّ فقولُه: «هذا الظرفُ ناقصٌ» ممنوعٌ؛ لأنَّ الظرفَ الناقصَ عبارةٌ عَمَّا لم يكُنْ في الإِخبارِ به فائدةٌ، كالمقطوعِ عن الإِضافة، ونحوِ «في دارٍ رجلٌ» وقد نَقَلَ عن سيبويه الأمثلَةَ المتقدمةَ نحو: «ما كان فيها أحدٌ خيراً منك»، وما الفرق بين هذا وبين الآيةِ الكريمة؟ وكيف يقول هذا وقد قال سيبويهِ في آخرِ كلامهِ: «والتقديمُ والتأخيرُ والإِلغاء والاستقرارُ عربيٌّ جيدٌ كثيرٌ»؟
وقرأ العامَّةُ بضمِّ الكافِ والفاء. وسَهَّل الهمزةَ الأعرجُ وشيبةُ ونافعٌ في روايةٍ. وأسكنَ الفاءَ حمزةُ، وأبدل الهمزةَ واواً وقفاً خاصة. وأبدلها حفصٌ واواً مطلقاً. والباقون بالهمزِ مطلقاً. وقد تقدَّم الكلامُ على هذا في أوائِل البقرةِ في قوله: {هُزُواً} [البقرة: ٦٧].
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس «كِفاءٌ» بالكسر والمدِّ، أي: لا مِثْلَ له. وأُنْشِدَ للنابغة:
٤٦٨١ لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاءَ له. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ونافعٌ في رواية «كِفا» بالكسر وفتح الفاء مِنْ غير مَدّ، كأنه نَقَلَ حركةَ الهمزةِ وحَذَفَها. والكُفْءُ: النظيرُ. وهذا كفْءٌ لك، أي: نظيرُكَ والاسم الكَفاءة بالفتح.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>