للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشهوية والقوة والغضبية، ونبههم أن ذلك وإن كان فيه مفسدة ما، ففيها مصالح كثيرة، وأن الخلافة التي رشح لها الإنسان في الأرض لا يصلح لها إلا هذا التركيب، فحينئذ قال لهم: (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون).

إن قيل: ما وجه قوله: {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهل كان لهم في ذلك التشكك حتى احتاجوا إلى أن يقال لهم ذلك؟ قيل له: ليس مخرج هذا الكلام على الوجه الذي توهمته، بل هو تنبيه لهم بما عملوه مجملاً على ما اشتبه عليهم مفصلاً، وتقدير ذلك: كأنه قيل: {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ومن علم غيب السماوات والأرض علم ما تبدون وما تكتمون.

ومن علم ذلك علم ما لا تعلمون.

إن قيل: فما [تلك] الفضائل التي اختص الإنسان بها واستصلح لها مما لم يكن للملائكة؟ قيل له: إن ذلك هو تعاطي العفة التي هي مختصة بالقوة الشهوية، والنجدة المختصة بالقوة الغضبية، والإنصاف في المعاملات، وسياسة الإنسان نفسه، ومجاهدة هواه وسياسة ذويه وأبناء جنسه، فإن كل ذلك فضائل ليست إلا للإنسان المختص بقوته الشهوية والغضبية، فأما الملك المعرى عن مقاسات عارية " بطنه وفرجه " فليس بمحتاج إلى سياسة البدن وسياسة أبناء جنسه في مراعاة ذلك منهم، [وهذا ظاهر]

إن قيل: في وجه قوله: (أنبئوني بأسماء هؤلاء) وذلك تكليف لهم ما لا تعلمون وتكليف إيراد ما لا يعلم تكليف ما لا يطاق، وما وجه قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} والصدق إنما يتعلق بالخبر، وهم إنما استخبروا ولم يخبروا فكيف يصح أن يصدقوا أو يكذبوا قيل: أما قوله: {أَنْبِئُونِي} فليس بتكليف وإنما هو تنبيه على عجزهم عن الخلافة التي رشح الإنسان لها، وقد علم أن لفظة " افعل " تجيء على أوجه، منها: التبكيف والتعجيز، وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فالصدق وإن كان لا يدخل الاستخبار والأمر والنهي بالقصد

<<  <  ج: ص:  >  >>