للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو للأرض أو الخصلة التي تحمل الإنسان على الاعتقاد في الشيء على خلاف ما هو به، أو على إيقاع الفعل على غير ما يجب، وقالوا: استجهلت الريح الغصن إذا حركته حركة شديدة، ويجب أن يعلم أن الجهل ضربان: أحدهما افتقاد العلم، والثاني تصور الشيء بخلاف ما هو عليه، وهو أعظم الجهلين، ولما لم يسم كثير من المتكلمين الضرب الأول جهلاً حدوا الجهل بأنه اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به، لكن لا كان افتقاد العقل يقال له جهل حتى يقال عاقل وجاهل، كما يقال عالم وجاهل صار عدم العلم مسمى بالجهل، والهزؤ مرح مع عيب وأما السخرية، فمعه تسخير بالفعل، ولهذا قال تعالى: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} وهو أن يجعله منقادا لك بضرب من الهزو، ولما قال موسى لهم: اذبحوا بقرة، واستطرقوا هذا الحديث، فقالوا لغباوتهم وقلة تثبتهم: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا}، فأجابهم بجواب مختصر متضمن لمقدمتين ونتيجة، فقال، {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} فكأنه قال: الهازئ جاهل، والجهل منتف عنى فإذا لست بهازئ، وأخرج ذلك بقوله: أعوذ بالله مخرج منكر منقطع لما رمى به، فإن قيل كيف جعل الهازئ جاهلاً وقد يهزأ الإنسان وليس بجاهل؟ قيل: لما كان يقال لمن اعتقد قي الشيء خلاف ما هو به جاهل، ولمن فعل مالا يقتضيه العلم وإن لم يعتقد فيه خلاف ما هو به جاهل، والهازئ إما أن يهزأ، لاعتقاده أن ذلك يجوز أو لا يعتقد ذلك، ولكن يفعل مالا يقتضيه العلم، فيصح من هذا الوجه أن يقال هو جاهل، فإذا كل هازئ جاهل على أحد هذيان الوجهين.

<<  <  ج: ص:  >  >>