للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي سخرها الله تعالى لاستدعاء الطعام وهضمه ودفعه، والثاني من خارج، وهو الذي يتلف من هذه القوة إذا اختلت، كذلك لا سبيل إلى استفادة صحة النفس إلا بطبيبين أحدهما من داخل وهو العقل، والثاني من خارج وهو النبي وكما أن أدوية البدن وأغذيته العقاقير والأطعمة، فأدوية النفس الأعمال الشرعية والآداب الخلقية، وكما أن طبيب البدن قد يغير الأغذية والأدوية التي يتوصل بها إلي استفادة الصحة واستبقائها لاختلاف الأزمنة، كذلك الأنبياء من قبل الله قد يغير الأعمال الشرعية التي هي مصلحة للأنفس حسب ما يعرف الله من مصالحها، فكما يكون الشيء دواءً للبدن في وقت، ثم يكون داءً في وقت غيره، ذلك الأعمال قد تكون مصلحة في وقت، مفسدة في وقت، ولكون الشريعة طلباً للنفوس قال المسيح: " إنما أنا طبيب المرضى "، وروى: أن العالم طبيب الدين، والدنيا داؤه فإذا جر الطبيب الداء إلى نفسه، فكيف يداوي غيره، ومما يبين جوار النقل من حكم إلى حكم نقل الله تعالى الأشياء حال إلى حال حتى ينتهي إلى أقصى الكمال كمال الإنسان من مبدأ إلى منتهى عمره وذلك من حين النطفة، ثم العلق، ثم المضغة، ثم كونه جنيناً، ثمة طفلاً، ثم ناشئاً وكهلا وشيخاً وهرماً، ثم ما نبه النبي عليه السلام بقوله: " إن لكم معالم، فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلي نهايتكم "، ولو كان نقل الشرع من حال إلى حال قبيحاً لكان بعثة موسى ونقله اليهود عن بعض ما كانوا عليه قبيحاً، وأماما حكوه عن موسى عليه السلام- أنه قال لبني إسرائيل هذه الشريعة لازمة لكم أبدآ مادامت السموات والأرض، فلفظ محتمل وفي إتيانه على وجه محتمل حكمة عظيمة قد ذكرها الحكماء، وهي أن من عادة العامة وغريزتها أن لا ينقاد كل الانقياد لراع أو رئيس إذا علموا كونه مصروفاً من بعد، بل يستوهنون أمره ويضعفون حاله، فإذا واجب أنما لا يعلموا بأن أمره غير ممتد، وأن لا يبين ذلك إلا للأعيان الذين لا يكون منهم مفسدة، فلهذا كانوا الألفاظ الواردة من الأنبياء عليهم السلام محتملة أن شريعتهم على التأييد، فإن قيلت إن ذلك يؤدي إلى أن يقال في

<<  <  ج: ص:  >  >>