للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي البرق يبكي لامعاً، وقوَّى ذلك بقراءة ابن مسعود فيما قيل: (ويَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) بالواو، وعامة أعيان الصحابة وكثير من المفسرين بعدهم، ذهبوا إلى أنه يصح أن يكون القرآن بعض ما لا يعلم تأويله إلا الله.

قال ابن عباس: " أنزل القرآن على أربعة أوجه: وجه حلال وحرام لا يسع أحداً جهالته.

ووجه يعرفه العرب، ووجه تأويله يعلمه العالمون، ووجه لا يعلم تأويله إلا الله، ومن انتحل فيها علماً فقد كذب ".

وحمل الآية على أحد وجوه ثلاثة:

- أحدهما: أنه جعل التأويل بمعنى ما تؤول إليه حقائق الأشياء من كيفياتها وأزماتها وكثير من أحوالها ..

وقد علمنا أن كثيراً من العبادات والأخبار الاعتقادية كالقيامة والبعث ودابة الأرض لا سبيل لنا إلى الوقوف على حقائقها وأزمانها، وهذا هو المراد بقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} الآية ..

، والثاني: أن من ألفاظه ما أمرنا بأن نتلوها تلاوة، وبها نتعبد دون معرفة تأويلها، كما تعبدنا بحركات تحصل في كثير من العبادات في الصلاة والحج، وعلى ذلك حمل قوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} أي أنهم أمروا بالتفوه بهذه اللفظة، والثالث: أن كثيراً من الآيات مما اختلف المفسرون فيه، ففسروه على أوجه كثيرة تحتملها الآية، ولا يقطع على واحد من الأقوال، فإن مراد الله تعالى منها غير معلوم لنا مفصلاً، بحيث يقطع به، والذين ذهبوا المذهب الثاني قالوا: قد علم أن الآية نزلت إنكاراً على قوم طمعوا في الهجوم على ما لا سبيل لهم إليه، فأراد تعالى حسم أسباب الخوض، ومتى كان فيه تشارك لم ينقطع الشغب إذ كل يدعي معرفته،

فإن قيل: إن هذا لأقوام معينين، فرجع القول إلى ما يقوله الإمامية أن آيات من القرآن لا يعرف تأويلها إلا الإمام، ويشهد لهذا قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>