للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حقيقة معلومة، وهي أن العبد إذا واظب الطاعات، ونبذ المعاصي، لم يكن ذلك إلا باستمرار علمه، واستدامه نيته، فإن العمل بالقصد، والقصد يرتبط بالعلم فإنهما أخوان، فإذا دام العمل الصالح، دل على دوام العمل، وإذا علم ولم يعمل، أوشك أن يذهب العلم، ويكون نقصان العمل، علامة على نقصان العلم أو ذهابه.

فإن قيل: وكيف يذهب العلم بذهاب العمل، والعلم أصل، والعمل فرع عليه، والفرع هو الذى يذهب بذهاب الأصل؟ قلت (١): عنه (٢) جوابان، أحدهما: أنا نمثل (٣) لكم ما يحققه، فنقول: إنك ترى الغصن في الشجرة الناضرة ذابلا، فتستدل به على نقصان مادة الأصل، التي كانت تمده (٤) بالري، ولولا نضوب المادة، وهي الأصل من الأصل لما ذوي الغصن (٥)، في الشجرة الناضرة، فكان ذهاب الفرع لذهاب الأصل، وعلامة عليه.

الثاني: وهو التحقيق، أن التقوى والعلم جميعا، من جملة الأعمال، وكلاهما من الأعمال القلبية، وتنفرد التقوى بقسم منها، و (٦) هو من عمل الجوارح، وهي مأخوذة من الوقاية، وهي الحجاب الموضوع، دون المكروه، فإذا اتقيت الله بقلبك أولا كما يجب، كان ذلك تعليما منه لك، بوضع الحجب التي تقيك عذابه، ووقاية العلم به للعذاب، قبل وقاية العمل له للعذاب، فإذا نقص العمل، كان لنقصان العلم ضرورة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" (٧) أخبر به، أنه لا يقدم على الزنا إلا بعد فوات جزء من العلم وقد بيناه في "قانون التأويل"، و"شرح الصحيحين" (٨)، وورد في (٩) الحديث الصحيح: "تعرض (١٠) الفتن على القلوب، كالحصير (١١)


(١) ج، د، ز: قلنا.
(٢) د: عن هذا.
(٣) ج: نمثله.
(٤) ب: عنده.
(٥) ج، و: القص.
(٦) د: - و.
(٧) أخرجه البخاري في صحيحه.
(٨) ز: كتب على الهامش: تأليفان لابن العربي.
(٩) ب: - في.
(١٠) ج: بعرض.
(١١) ب: كالحصن.

<<  <   >  >>