للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اجتماعية عديدة، وقدرت هذه الخسائر بـ ١١٥٤مليار دولار، وفقد فيها ٤١ مليون قتيل بخلاف الجرحى والأسرى. اهـ.

[تعريف الجزية وحكمها]

الجزية هي ما يؤخذ من أهل الذمة، قال القرطبي إنها مشتقة من جزى يجزى إذا كافأ عَمَّا أسدى إليه فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن، وقد كان الصحابة عندما يخافون الخطر على أهل الذمة يردون إليهم ذمتهم، وهي إنما تؤخذ من الحر البالغ العاقل المقاتل عند القدرة على دفعها، ولا تؤخذ من النساء والصبيان والعبيد والمجانين والشيوخ الهرمين ولا من العاجز عن دفعها فقد أعفى عمر منها يهوديا فقيراً وجده يسأل، وهي من محاسن الإسلام فقد كان ملوك الروم يأخذون من العاملين نصف إنتاجهم، وأحياناً يغتصبون منهم مالهم بغير حد، فجاء الإسلام وأخذ منهم ديناراً واحداً كما في حديث الترمذي عن معاذ بن جبل قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن أخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم ديناراً. والحديث صححه الألباني.

وفي تاريخ الإِسلام كثير من الأمثلة التي تؤيد المعنى الذي ذكرناه، ومن ذلك، ما جاء في كتاب الخراج لأبي يوسف أنه قال في خطابه لهارون الرشيد: وينبغى يا أمير المؤمنين ـ أيدك الله ـ أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ شيء من أموالهم إلا بحق يجب عليهم، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ظلم من أمتي معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه، وكان فيما تكلم عمر بن الخطاب عند وفاته: أوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم، وجاء فى كتاب أشهر مشاهير الإِسلام أن جيوش التتار لما اكتسحت بلاد الإِسلام من حدود الصين إلى الشام، ووقع في أسرهم من وقع من المسلمين والنصارى ثم خضد المسلمون شوكة التتار، ودان ملوكهم بالإِسلام، خاطب شيخ الإِسلام ابن تيمية أمير التتار بإطلاق الأسرى فسمح له بالمسلمين وأبى أن يسمح بأهل الذمة، فقال له شيخ الإِسلام: لا بد من إطلاق جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا ولا ندع أسيرا لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة فأطلقهم له، وجاء في كتاب: الإِسلام والنصرانية للأستاذ الإِمام محمد عبده ما ملخصه: الإِسلام كان يكتفي من الفتح بإدخال الأرض المفتوحة تحت سلطانه، ثم يترك الناس وما كانوا عليه من دين، ثم يكلفهم بجزية يدفعونها لتكون عوناً على صيانتهم والمحافظة على أمنهم في ديارهم، وهم في عقائدهم ومعابدهم وعاداتهم بعد ذلك أحرار، لا يضايقون في عمل، ولا يضامون في معاملة، خلفاء المسلمين كانوا يوصون قوادهم باحترام العباد الذين انقطعوا عن العامة في الصوامع والأديرة للعبادة، كما كانوا يوصونهم باحترام دماء النساء والأطفال وكل من لم يعن على القتال، جاءت السنة بالنهي عن إيذاء أهل الذمة، وبتقرير ما لهم من الحقوق على المسلمين لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ومن آذى ذميا فليس منا، واستمر العمل على ذلك ما استمرت قوة الإِسلام، ولست أبالي إذا انحرف بعض المسلمين عن هذه الأحكام عندما بدأ الضعف في أبناء الإِسلام فضيق الصدر من طبع الضعيف، ثم قال: أما المسيحية فترى لها حق القيام على كل دين يدخل تحت سلطانها تراقب أعمال أهله وتخصهم دون الناس بضروب من المعاملة لا يحتملها الصبر مهما عظم، حتى إذا تمت لها القدرة على طردهم بعد العجز عن

<<  <   >  >>