للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من جملة الناس، ولا يوجد مانع عقلي من دخول الكفار في هذا الخطاب، والمانع العقلي هنا هو فقد التحكم من الفعل، والكافر يمكنه أن يحج بأن يقدم قبله الإيمان، كما أن المسلم المحدث يوصف بالتمكن من الصلاة بأن يقدِّم عليها الطهارة، ولا يوجد مانع شرعي كذلك، لأنه لو وجد لعرفناه.

٣ - قوله تعالى عن أهل النار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) [المدثر:٤٢ - ٤٦].

وجه الدلالة: أن الله تعالى أخبر عنهم أنهم إنما عاقبهم يوم القيامة، وسئلوا عما عاقبهم لأجله فاعترفوا بأنهم عوقبوا على ترك إقامة الصلاة، وإطعام الطعام، فدل على أن الخطاب متوجه إليهم بالعبادات.

٤ - قوله تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) [فصلت:٦ - ٧].

وجه الدلالة: أن الله تعالى توعد المشركين على شركهم، وعلى ترك إيتاء الزكاة، فدل ذلك على أنهم مخاطبون بالاثنين معاً، لأنه لا يتوعد على ترك الصلاة ما لا يجب على الإنسان.

٥ - قوله تعالى: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [القيامة:٣١ - ٣٢].

وجه الدلالة: أن الله تعالى ذم -هنا- الكفار لتركهم الصلاة، وهي من فروع الشريعة، مما يدل على أن الكفار مكلفون بالفروع.

وغير ذلك من الأدلة على قوة مذهب الجمهور مع العلم بأن العلماء قد أجمعوا على خطاب الكفار بأصل الإيمان، والعقوبات كالحدود والقصاص، والمعاملات كالبيع والشراء.

قال في التوضيح: ذكر الإمام السرخسي لا خلاف في أن الكفار يخاطبون بالإيمان، والعقوبات والمعاملات، وبالعبادات في حق المؤاخذة في الآخرة لقوله تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ).

وقال ابن النجار في شرح الكوكب المنير: كما أنهم مخاطبون بالإيمان والإسلام إجماعاً لإمكان تحصيل الشرط، وهو الإيمان. ا. هـ

يقصد أن تحصيل الإيمان شرط لصحة العبادات منهم، فوجب عليهم.

والسبب في تكليف الكفار بالمعاملات أن المعاملات قُصِد بها الحياة الدنيا، فالكفار بها أنسب، لأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة.

والسبب في تكليفهم بالعقوبات: أن العقوبات قصد بها الزجر عن ارتكاب أسبابها، والكفار أحق بالزجر وأولى به من المؤمنين.

وبناءً على ما تقدم، فلا يجوز للمسلم أن يعين أحد من الكفار على شيء من المحرمات في ديننا ولو كان أحد والديه الكافرين أو زوجته الكتابية، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان وهو منهي عنه شرعا بقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:٢}.

وجاء في أحكام أهل الذمة لابن القيم: وقال في رواية محمد بن يحيى الكحال في الرجل تكون له امرأة أو أمة نصرانية تقول اشتر لي زنارا فلا يشتري لها تخرج هي تشتري، فقيل له جاريته تعمل الزنانير قال: لا، قال القاضي: أما قوله لا يشتري هو الزنار، لأنه يراد لإظهار شعائر الكفر فلذلك منعه من شرائه وأن يمكن جاريته من عمله، لأن العوض الذي يحصل لها صائر إليه وملك له وقد منع من بيع ثياب الحرير من الرجال إذا علم أنهم

<<  <   >  >>