للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله (وعادى في الله) هذا بيان للازم البغض في الله، وهو المعاداة فيه. أي إظهار العداوة بالفعل كالجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطناً وظاهراً، وإشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه كما قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.وعلى ذلك جاءت تسمية الشارع الحكيم للفريق الأول بـ: (أولياء الله)، والفريق الثاني بـ: (أولياء الشيطان) قال تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.

واعلم أن الله سبحانه لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء، كما قال تعالى:

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا { ... انتهى).وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة، وكتب وحجج كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون}.والواجب على المسلم أن يتعلم من دين الله ما يصير له سلاحاً يقاتل به هؤلاء الشياطين، ومن ثم لا خوف عليه ولا حزن لأن: {كيد الشيطان كان ضعيفاً}.والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء المشركين كما قال تعالى {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان.

وبهذا يتبين لك أخي المسلم أن المسلم المؤمن المخلص في عقيدته هو من أخلص توحيده الله، وتبرأ من المشركين , ولتعلم أن الولاء والبراء يضعف بسبب ضعف العبودية والمحبة لله وكلما كان الشخص أكمل عبودية لله ومحبة كان أكثر تحقيقاً للولاء والبراء , وكما أن الإيمان يزيد وينقص فكذلك تحقيق الناس لهذا الأصل العظيم (الولاء والبراء) يزيد وينقص وأما هدم هذا الأصل كلياً في قلب العبد وترك ما يوجبه على المؤمن من الأعمال والتروك فهو هدم للإيمان كله.

وعلى هذا فيجب على المسلم بعدَ محبةِ اللهِ ورسولهِ أن يحب أولياءه ويعادي أعدائِه المحاربين للدين وأهله ويبغض عموم الكفار وذلك أن من أصولِ العقيدةِ الإسلاميةِ أنَّه يَجبُ على كلِ مسلمٍ يَدينُ بهذه العقيدةِ أنْ يوالىَ أهلهَا ويعادىَ أعداءَها الصادين عن دين الله فيحبُ أهلَ التوحيدِ والإخلاصِ ويواليهِم، ويُبغِضُ أهلَ الإشراكِ لا سيما المحاربين لدينه ويعاديهِم فهذا أصل.

وها هنا أصل آخر وهو أن من استقام على منهج الله وتوحيده جاءه الولاء والبراء تباعاً من غير تكلف , ومن أحب الله المحبة الواجبة لابد أن يُبغض أعداءه ولابد أن يحب أولياءه , وكما أن الله قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين شرعاً فإنه أمر بموالاته وموالاة رسوله والمؤمنين وذلك من لوازم التوحيد.

<<  <   >  >>