للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الخلق، والانتباه إلى الأخلاق الحسنة الأخرى فيها، كل ذلك خوفاً من أن يتعدى الأمر إلى بغض المرأة لأنه لا يمكن أن يبغضها ويحبها في وقت واحد.

وعلى هذا يتيبن لنا أن البراء من المشركين ليس على مرتبة واحدة، بل هو مراتب متفاوتة، يتراوح بين قتالهم وهو أعلاها وبين بغض عملهم وهو أدناها، وبينهما مراتب كثيرة , وهذه المراتب تختلف بحسب اختلاف أصناف المشركين وحالهم فمودة الزوجة الكتابية أو الوالدين المشركين لا تتنافى مع بغض الكفر الذي هم فيه وقد قال ربُّنا عز وجل حكاية عن بعض أنبيائه: {إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ القَالِين}.

أما محبَّة دين الزوجة الكتابية المحرَّف والميل إليه والإعجاب به فحرام شرعاً , كما علَّمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن نقول: (ونخلع ونترك من يفجرك) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي, أي نطرح مودَّة العابد لغيرك, ولا نحبُّ سلوكه واعتقاده.

وعليه فما تقدم إنما هو أدلة تُخرج الزوجة الكتابية والوالدين ونحوهما مما ورد فيه الدليل من البغض لذات الشخص وإنما يبغض دينه وعمله.

وهذا المذهب الذي يظهر لي أنه الأقرب للصواب ومع ترجيحي لهذا المذهب فإني لا أسفه الآراء الأخرى؛ بل أحترم قولهم، وأرى أن لها وجهاً قوياً من النظر باستثناء القول الرابع الذي توسع في الترخص بمودة الكافر المسالم توسعاً فاحشاً يُخالف ظاهر نصوص الكاتب والسنة وظاهر مذهب السلف القائم على بغض الكافر ومنابذته إلا ما استثناه الشارع.

الفريق الرابع: هنالك من أهل العلم من ذهب إلى أن الولاء المحرم هو الولاء لأهل الحرب من الكفار فقط دون المُسالمين منهم وأن موالاة الكافر المسالم الذي لا تخشى على نفسك من أن يضرك في دينك هي موالاة مكروهة ولا تصل إلى درجة التحريم حتى قال بعضهم بجواز صداقة الكافر المُسالم بإطلاق وقال بعضهم أن الموالاة هي نصرة أهل الحرب الكفار على المسلمين , واستدل بقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" وقوله "وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" ووجه الاستدلال أن الله عز وجل وصف الكفار بأنهم أولياء بعض مع أنه لا يخفى على أحد بأن بين الكفار من البغضاء والتشاحن ما لا يُنكره أحد اطلع على أمورهم , كما قال تعالى عنهم " بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى" ومع ذلك لم يكن البغض بينهم مانعاً من أن يصفهم الله بأنهم أولياء وبالتالي هذا يدل على أن الموالاة لا تعني المحبة , بل الموالاة هي الحِلف والمناصرة فقط وعليه فهي خاصة بأهل الحرب , ولا تعني الحب كما يتوهم البعض , وقال بعضهم أن المحبة ليست شرطاً للولاء باستثناء ولاء العبد لربه فلا بد من وجود المحبة.

وعلى هذا فالموالاة ليست هي الأخوة الإيمانية بل هي أخص , فهي خاصة بأهل الدار والدولة الواحدة ويدخل في هذه الولاية كل من انتسب إليها ولو كان ذمياً ولكن تكون ولاية ناقصة علماً بأن أهل الذمة الكفار هم الذين تولونا ونحن قبلنا وليس نحن من تولاهم , وهم تحت رايتنا وسلطاننا وليس العكس , والذي يدل على ما تقدم قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا

<<  <   >  >>