للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حب الزوجية وقوله"وجعل بينكم مودة ورحمة" والمصاهرة إنما تكون بعد التحاب بين أهل الزوجين، والارتباط بينهما بروابط الائتلاف، وأقل ما فيها محبة الرجل لزوجته، وهي على غير دينه، قال تعالى "خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" والله يقول لخيار المؤمنين"ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم" ويقول محمد رشيد رضا بتصرف يسير مني في تفسير المنار عند قوله تعالى (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ عن حب آبائهم المشركين كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) , قال (الله عز وجل لم ينه المسلمين، بل حذرهم أن يكونوا أحب إليهم من الله ورسوله، وجهاد ما في سبيله ; لأن هذا لا يجتمع مع الإيمان الصحيح كذلك نهاهم في سورة المجادلة عن موادة من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم إذا كانت لأجل المحادة، كما يفيده ترتيب النهي على فعلها، فإن المودة هي المعاملة الحبية، والمحادة شدة العداوة والبغضاء، فاشتراك المؤمن المحب لله ورسوله مع المحاد لله ولرسوله في المودة المرتبة على صفتيهما جمع بين الضدين، فهو في معنى موالاتهم بل أخص منها ... انتهى). ومراده رحمه الله بكلامه أن المودة المنهي عنها إنها هي المودة لأجل ما هم عليه من المحادة لله ورسوله، فمثل هذه المودة لا تجتمع مع الإيمان، فلا يمكن أن يجتمع في قلب رجل واحد محبة الله ورسوله، مع محبة من يحاد الله ورسوله، بحيث يكون الباعث على هذه المحبة هو هذه المحادة، فهذان ضدان لا يجتمعان، بخلاف الجمع بين محبة الله ورسوله والمؤمنين محبة دينية شرعية، وبين محبة أعداء الله ورسوله والمؤمنين محبة جبلية بشرية.

وقال محمد رشيد رضا رحم الله أيضاً في تفسيره المنار عن قوله تعالى "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون".

(ولو كان معنى الركون في اللغة الميل اليسير مهما يكن نوعه كما زعم الزمخشري ومقلدوه، لكان هذا الوعيد الشديد على قليل منه على قلته في نفسه مما لا يمكن أن تراد به حقيقته ; لأنه أشد الوعيد على ما لا يستطيع بشر اتقاءه إلا بعصمة خاصة من الله - تعالى - كما سترى في تفسيرهم له، أما والحق ما قلناه، وهو أن الركون إلى الشخص أو الشيء هو الاعتماد عليه والاستناد إليه وجعله ركنا شديدا للراكن، فأجدر بقليله أن يتعذر اجتنابه على أكمل البشر إلا بالعصمة والتثبيت الخاص من الله عز وجل، فكيف ينهى جميع المؤمنين عن الميل اليسير إلى من وقع منه أي نوع من الظلم؟

لم يكن ميل النفس الطبعي من المؤمنين إلى أولادهم وأرحامهم المشركين الظالمين ولا البر بهم والإحسان إليهم محظورا عليهم ; لأنه ليس من الركون إليهم الخاص بالولاية لهم والاعتماد عليهم وهو المنهي عنه، ولا من الميل إليهم لأجل الظلم. ولما فعل حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - فعلته التي هي أقرب إلى الولاية الحربية منها إلى صلة الرحم كما تأولها، أنزل الله - تعالى - سورة الممتحنة التي نهى فيها عن ولاية المشركين الظالمين المقاتلين في الدين والمودة فيها وقال: -

<<  <   >  >>