للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون وأذن بالبر والقسط لغيرهم منهم، ولا تنس ما ورد في الصحيح من نزول قوله - تعالى -: - إنك لا تهدي من أحببت في حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على إسلام عمه أبي طالب الذي كفله في صغره، وكان يحميه ويناضل عنه في نبوته، واذكر قول السيدة خديجة - رضي الله عنها - له في حديث بدء الوحي: " كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل " إلخ.

بل لم تكن الثقة ببعض المشركين والاعتماد عليهم في أهم الأعمال من الركون المنهي عنه، فقد وثق النبي - صلى الله عليه وسلم - والصديق الأكبر - رضي الله عنه - بمشرك من بني الديل وائتمناه على الراحلتين اللتين هاجرا عليهما ليوافيهما بهما في الغار بعد ثلاث، وكان المشركون الظالمون يبحثون عنهما، وقد جعلوا لمن يدلهم عليهما قدر ديتهما .. انتهى).

[حكم معاملة الكافر بما يدل على مودات القلوب]

يجوز معاملة الكافر المعين بما يدل على مودات القلوب إذا كان ممن تجوز محبته طبيعياً ولا يجب بغض ذاته في الله , وأما الذي يجب بغضه في الله فلا يجوز معاملته بما يدل على مودات القلوب إلا على سبيل المداراة أو الدعوة إلى الله ولو كنت تحبه طبيعياً كما قال تعالى (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) فالله عز وجل أقر هنا بوجود الإعجاب من غير نكير , ولكن لم يُقر الله الانسياق وراء هذا الإعجاب.

وللعلم لا خلاف على اجتماع ما جُبلت عليه النفس مع ما وجب عليها شرعاً بنقيضه , ولكن الخلاف هل يجوز إلقاء الحب الجبلي لهذا المحبوب أو ذاك , مع النهي عن إلقاء المودة والمحبة للكافر؟

والشرع رخص لنا في البر والإحسان ولم يرخص في إلقاء المودة لعموم الكفار كما نص على ذلك بقوله تعالى (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وثرب على المسلمين عندما ألقوا بالمحبة لأعداء الله وإن كانت لغير دينهم , ونص جل وعز على تعبير المحبة فقال جل شأنه (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ (ومن المؤكد أن محبتهم ليست لدينهم , فالنصوص متكاثرة ومتظافرة في النهي عن إلقاء المودة والمحبة لعموم الكفار ولو كانت طبيعية.

[حكم مودة الكافر للمؤمن]

تجوز مودة الكافر للمؤمن ولا يُلام المسلم على ذلك إذا لم يكن سبب هذه المودة سبب محرم وقد كان أبو طالب يحب النبي صلى الله عليه وسلم.

[حكم طلب مودة الكفار غير المحاربين]

طلب مودة الكفار غير المحاربين واستدعاؤها بسبب شرعي جائز بلا شك كالهدية وحسن التعامل ونحوهما , هذا وإن كان يندر أن يحبك الكفار وأنت تقيم فيهم الشريعة كما ينبغي لقوله تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ولكن إذا أحبوك بسبب شرعي فلا تثريب عليك , والشيخ ابن عثيمين رحمه الله يوافق هذا الحكم في أحد شروحه وإن كان له أكثر من مذهب في هذه المسألة

<<  <   >  >>