للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شرك في التوحيد، ومحو الأسباب بالكلية قدح في الشرع، بل العبد يجب أن يكون توكله ودعاؤه وسؤاله ورغبته إلى الله سبحانه وتعالى، والله يقدر له من الأسباب من دعاء الخلق وغير ذلك ما يشاء. ا. هـ

وقال أيضاً: وقال أحمد للميموني: استغن عن الناس، فلم أر مثل الغني عن الناس، وقال رجل للفضيل بن عياض -رحمه الله- لو أن رجلاً قعد في بيته وزعم أنه يثق بالله فيأتيه برزقه، قال: إذا وثق به حتى يعلم أنه وثق به لم يمنعه شيئاً أراده، ولكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غيرهم، وقد الله تعالى: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (الجمعة: من الآية١٠، ولا بد من طلب المعيشة. ا. هـ

وقال ابن العربي في أحكام القرآن، عند تفسير قوله تعالى: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك. قال: فيها جواز التعلق بالأسباب، وإن كان اليقين حاصلاً، لأن الأمور بيد مسببها، ولكنه جعلها سلسلة، وركب بعضها على بعض، فتحريكها سنة، والتعويل على المنتهى يعني القدر يقين، والذي يدلك على جواز ذلك نسبة ما جرى من النسيان إلى الشيطان، كما جرى لموسى صلى الله عليه وسلم في لقاء الخضر، وهذا بين فتأملوه. ا. هـ. والمقصود أن تعلق القلب بالله تعالى لا يتعارض مع تعلق البدن بالأسباب , وأن حقيقة التوكل هي عمل القلب وعلمه، فعمل القلب الاعتماد على الله عز وجل والثقة به، وعلمه معرفته بتوحيد الله سبحانه بالنفع والضر.

وعمل القلب لا بد أن يؤثر في عمل الجوارح والذي هو الأخذ بالأسباب، فمن ترك العمل -أي الأخذ بالأسباب-فهو العاجز المتواكل الذي يستحق من العقلاء التوبيخ والتهجين، ولم يأمر الله بالتوكل إلا بعد التحرَز والأخذ بالأسباب، قال الله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ {آل عمران:١٥٩}، وقد قال عليه الصلاة والسلام للذي سأله: يا رسول الله أعقلها -أي الناقة- وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟! قال: اعقلها وتوكل. رواه الترمذي وحسنه الألباني.

فمن كان توكله صحيحاً أخذ بالأسباب.

أما حكم الأخذ بالأسباب على التعيين فهو يختلف باختلاف المسبب المطلوب إيجاده، فقد يكون الأخذ بالأسباب واجباً، وذلك إذا كان فعله لتحصيل واجب، كتحصيل أسباب الواجبات الشرعية كالعلم بأحكام الصلاة والصيام ونحوهما من الواجبات، وقد يكون الأخذ بالأسباب حراماً، وذلك إذا كان السبب المطلوب فعله يؤدي إلى حرام، كالأسباب المفضية إلى الزنا وشرب الخمر ونحوهما، وهكذا يكون الأخذ بالأسباب مكروها ومستحباً بحسب ما يفضي إليه، وبهذا يُعلم أن الأخذ بالأسباب مُختلف المراتب من جهة الحكم، وأنه لا يتنافى مع الإيمان بالقدر ولا التوكل ولا الثقة في الله تعالى.

<<  <   >  >>