للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التشبيه، فالذين فَسَّرُوا الاستواء بالاستيلاء، وقالوا: الاستواء ظاهره كاستواء المخلوقين فيجب صَرْفُهُ عن ظاهره، ويقال فيه: «اسْتَوْلَى» فقد وقعوا في ثلاثة محاذير:

الأول: أنهم قالوا على الله: إن ظاهر ما مدح به نفسه أنه غير لائق، وهذا افتراء على الله وعلى كتابه وعلى نبيّه؛ لأن الله لا يصف نفسه إلا بأكرم المعاني وأشرفها وأنزهها وأجلها، فما هنالك إلا المعنى الشريف اللائق بكمال الله، المنزه عن مشابهة المخلوقين.

المحذور الثاني: أنه اضطروا أن ينفوا ما وصف الله به نفسه فنفوا الاستواء، والله يثبته في سبع آيات من كتابه، ثم جاءوا بدله بالاستيلاء! قالوا: معنى استوى: استولى، فنقول: التشبيه الذي فَرَرْتُمْ منه في {اسْتَوَى} جئتم بأضعافه في قولكم: «استولى» لأن (استولى) أوغل في التشبيه، فالعرفجي يستولي على حماره، والمالك يستولي على ملكه، والرجل يستولي على امرأته، وبِشْر يستولي على العراق، وهذه الاستيلاءات خسيسة، قد شبهتم بها صفة الله! فإن اضطُر في الآخر أن يقول: هذا الاستيلاء مُنَزَّه عن استيلاء المخلوقين، قلنا له: الاستواء الذي وصف الله به نفسه لائق كريم جليل منزه عن أن يُشبه شيئاً من استواء المخلوقين.

هذه هي طريقة السلف، وهذا العلم القرآني هو المنَجِّي من هذا المأزق الذي ضلت فيه أقدام الآلاف من فحول الرجال، فعلى المسلم أن يستضيء بضوء القرآن، وأن يَتَنَبَّه لكتاب الله؛ لأن فيه حلّ كل معضلة، والمخرج من كل ويلة وبليّة، والله علمنا أولاً أن ننزهه عن كل ما لا يليق: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وأن نثبت له صفاته، وإن كانت المخلوقات يتصفون باسمها؛ ولذا قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>