للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نعم من الله عليكم، فشكرها أن لا تبطشوا بها إلا في شيء يرضي مَنْ خَلَقَها وأكرمكم ومنَّ عليكم بها، وكذا الرِّجل إلى غير ذلك، وكذا جميع النعم. أما الذي يستعمل نعم الله فيما يسخط الله ويغضبه فهذا ليس من الشاكرين، وهذا مِنْ أَوْقَحِ مَا يتصوره العقل أن يكون هذا العبد المسكين الذليل الضعيف ينعم عليه ربه العلي الأعلى الأعظم بهذا الإنعام ثم يبلغ من الوقاحة والسفاهة والجهل وعدم الحياء أن يصرف نِعَم خَالِقِه (جل وعلا) فيما يسخط رَبّه، هذا أمر عظيم يعرق له الجبين، ويخجل منه العاقل، فلا ينبغي للإنسان أن يصرف نعم الخالق العظيم (جل وعلا) إلا فيما يُرْضِي مَنْ خَلقه ومَنَّ عَلَيْهِ بها.

ومادة (شكر) هي في لغة العرب تتعدى للنعمة وتتعدى للمنعم، فإن تَعَدَّتْ للنعمة تعدّت إليها بلا حرف بلا نزاع بين علماء العربية (١). تقول: (شكر نعمته، وأشكر نعمة الله). وتَعَدِّي الشكر للنعمة بلا حرف أسلوبٌ عَرَبِيٌّ لا نِزَاعَ فِيهِ، وهو في القرآن وفي غيره، أما إذا تعدَّى الشّكْر إلى المنعم كأن تقول: (نحمد الله ونشكر له) فاللغة الفصحى أن تقول: (نحمد الله ونشكر له) ولا تقول: (ونشكره). وقال بعض العلماء: لا يتعدى الشكر للمنعم إلا باللام فتقول: (أحمد الله وأشكر له) ولا تقول: (وأشكره). وشذَّ قوم فزعموا أنك لو قلت: (وأشكره) كان لحنًا، وأنه يجب أن تقول: (وأشكر له). والتحقيق: أن (وأشكر له) -مُعدى باللام - هي اللغة الفصحى، وهي لغة القرآن العظيم، ولم يأت في القرآن العظيم لفظ الشكر مُعدّى إلى المنعم إلا باللام نحو: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}


(١) مضى عند تفسير الآية (٥٣) من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>