للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجنوح في لغة العرب: الميل، تقول العرب: جنح فلان إلى كذا، وجنح له. أي: مال إليه، وهو معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول غيلان ذي الرمة (١):

إِذَا مَاتَ فَوْقَ الرَّحْلِ أَحْيَيْتُ رُوحَهُ ... بِذِكْرَاكِ والعِيسُ المَراسيلُ جُنَّحُ

أي مائلات الأعناق في السير.

معناها: إن مال الكفار يا نبي الله إلى السِّلم وودّوها وطلبوها فاجنح لها؛ أي: وافقهم في ذلك، وملْ إلى السلم وصالحهم وسالمهم كما طلبوا ذلك منك.

و (السلم) مؤنَّثة في اللغة الفصحى، كالحَرب فهي مؤنثة أيضاً؟ ومنه قول العبّاس بن مرداس (٢):

السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضيتَ بِهِ ... والحَرْبُ تَكْفِيكَ مِنْ أَنفَاسِهَا جُرَعُ

والمعنى: {وَإِن جَنَحُواْ}: أي الكفار {إِلَى السَّلْمِ} إلى الصلح، أي: مالوا إلى المصالحة، وأحبوا أن تكون معهم في صلح {فَاجْنَحْ} يا نبي الله إليها، أي: إلى الصلح، فَمِل إلى الصلح وسالمهم.

وكان بعض العلماء يزعم أن هذه الآية من سورة الأنفال بينها وبين آية القتال تعارُضٌ أو إشكال (٣)، والحق أنه لا تعارض بينهما؛ لأن آية الأنفال هذه قيدت أمر النبي صلى الله عليه وسلم بجنوحه إلى السلم بأن يكون الكفار هم الذين جنحوا إليه أولاً وطلبوه ومالوا إليه. أما آية


(١) البيت في القرطبي (٨/ ٣٩)، الدر المصون (٥/ ٦٣٠).
(٢) البيت في الدر المصون (٢/ ٣٥٩)، (٥/ ٦٣١).
(٣) انظر: ابن جرير (١٤/ ٤١)، القرطبي (٨/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>