للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الأرضِ، وبصماتِهم في الأوراقِ، وأصواتَهم، كُلُّ هذا لا يَشْتَبِهُ منه شَيْءٌ، وكل هذا أحاطَ به العلمُ قبلَ أن يوجدَ!! فعِلْمُ اللَّهِ محيطٌ بهذا قبلَ أن يوجدَ، وكلٌّ يُوضَعُ ويُطْبَعُ وَيُخْلَقُ على ما سبقَ به العلمُ الأَزَلِيُّ، فاللَّهُ (جل وعلا) عِلْمُهُ محيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ.

وقد قَدَّمْنَا مِرَارًا: أن اللَّهَ (جل وعلا) يحيطُ علمُه بالشيءِ وغيرِ الشيءِ؛ لأَنَّ (الشيءَ) لا يُطْلَقُ في الاصطلاحِ إلا عَلَى (الموجودِ)، في مذهبِ أهلِ السنةِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: آية ٩] فقولُه: {وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} دليلٌ على أن العدمَ ليسَ بشيءٍ (١). وقد دَلَّتْ على هذا آياتٌ أُخَرُ، وَاللَّهُ (جل وعلا) يعلمُ المعدومَ الذي هو ليسَ بشيءٍ، وقد بَيَّنَّا في هذه السورةِ الكريمةِ فيما مَضَى أمثلةً كثيرةً من ذلك؛ لأَنَّ اللَّهَ قال في هذه السورةِ الكريمةِ - سورةِ الأنعامِ -: {فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} فالكفارُ إِذَا رَأَوُا العذابَ يومَ القيامةِ وَعَايَنُوا الحقيقةَ نَدِمُوا على تكذيبِ الرسلِ، وَتَمَنَّوُا الردَّ مرةً أُخْرَى إلى الدنيا فقالوا {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} يَعْنُونَ إلى الدنيا: {وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: آية ٢٧] يعني: لَيْتَنَا رُدِدْنَا ونحنُ نصدقُ الرسلَ ولَا نُكَذِّبَهُمْ كالمرةِ الأُولَى.

هذا الردُّ الذي تَمَنَّوْهُ: اللَّهُ (جل وعلا) عَالِمٌ بأنه لَا يكونُ، ومع عِلْمِهِ بأنه لَا يكونُ فقد صَرَّحَ بأنه عَالِمٌ أن لو كانَ كيفَ يكونُ، حيث قَالَ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: آية ٢٨] وقد قَدَّمْنَا مِرَارًا: أن المتخلفين عن غزوةِ تبوكَ من المنافقين لَنْ يَحْضُرُوهَا أبدًا؛ لأَنَّ اللَّهَ هو الذي ثَبَّطَهُمْ عنها بإرادتِه لحكمةٍ، كما قال: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا


(١) انظر: شرح الطحاوية ص١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>