الواو في قوله:{فَإِن كَذَّبُوكَ} قال بعض العلماء (١): راجعة إلى اليهود؛ لأنهم أقرب مَنْ ذُكر في قوله:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} فإن كذبوك وقالوا: لم تُحرم علينا هذه الأشياء جزاءً ببغينا، بل ما كان حراماً علينا إلا ما حَرَّمَهُ إسرائيل على نفسه {فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ}.
الوجه الثاني: أنه راجع إلى كفار مكة الذين أُرسل إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبَيَّنَ لَهُم أن شركهم بالله باطل، وأن تشريعهم الحلال والحرام بالكذب باطل، فإن كذبوك وقالوا: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، والبَحِيْرَة حق، والسائبة حق، وما جرى مجرى ذلك، فقل: ربكم ذو رحمة واسعة.
وقال بعض العلماء: يرجع إلى الجميع، فإن كذبك الكفرة المعادون المعاندون من مشركين ويهود فقل لهم: ربكم الذي أنشأكم وأوجدكم ذو رحمة واسعة، إلا أن هذه الرحمة الواسعة ذكر الله في سورة الأعراف أنها مخصوصة بالمتقين حيث قال:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: الآية ١٥٦] لا لكل كافر وفاجر.
وقد قَدَّمْنَا فِي تَفْسِير (البسملة) و (الفاتحة) أن (الرَّحْمَةَ) صفة من صفات الله، اشتق لنفسه منها اسم (الرحمن) و (الرحيم)، وأن
(١) انظر: ابن جرير (١٢/ ٢٠٧)، البحر المحيط (٤/ ٢٤٥ - ٢٤٦)، الدر المصون (٥/ ٢٠٩).