للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إبدالهم السين تاء. وما نقل عن عثمان أن القرآن نزل بلسان مضر. معارض بحديث أنس أنه نزل بلغة قريش. (٢)

وقد ذكر أبو نصر الفارابى فى كتابه (الألفاظ والحروف) أن أحسن لسان لسان قريش وأجوده وأسهله، وعنها أخذ اللسان العربى من قيس وتميم وأسد، فهؤلاء هم أكثر من أخذ عنهم، وتركت قبائل لمجاورتها الأعاجم وغير العرب، ولم يؤخذ عن حضرى ولا أحد من سكان البرارى. (٣)

والمقصود من هذا البحث: أن القرآن الكريم جاء بأصفى ألفاظ اللغة العربية وأعذبها وأفصحها، مما لا يمكن أن يخدش عربية لغة القرآن، بحيث لا تجد لفظا واحدا فيه إلّا وله أصالة فى العربية، أمّا ما يدعيه البعض من وجود ألفاظ أعجمية فى القرآن، فليس فى القرآن لفظ أعجمى لا يعرفه العربى أو لم يستعمله، وكيف يصحّ خلاف ذلك والقرآن يكذبه عند ما يبين أنه نزل بلسان عربى، وهذا يقتضى أن اسم الشيء ووصفه المخلوع على اسمه معا يجب أن يحمل على جميعه كما هو متبادر، وعليه يكون جميع القرآن عربيا، وقد قال- عزّ وجلّ- فى ردّه على من زعم أن النبىّ يعلمه بشر فقال: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (٤) وقال عزّ وجلّ:

وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ (٥). فالكلمة إذا كانت عربية ولكنها حوشية مجهولة لم تكن توصف بالفصاحة، فكيف بالكلام الأعجمى مجهول اللفظ والمعنى، ولو كان فى القرآن أعجمى لبادر العرب بإنكاره على القرآن. فمن ينفى وجود الأعجمى فى القرآن إنما يقصد الذى لا تعرفه العرب ولا تستعمله، ومن قال بوجوده فهو يقصد الذى عرفه العرب واستعملوه حتى لان وانقاد للسانهم، وهكذا يكون الخلاف بين الفريقين لفظيا؛ لأنه توارد على محلين لا محل واحد.

وعلى هذا التحرير يحمل ما نقله الزركشى عن جمهور العلماء، من عدم وجود غير العربى فى القرآن، ومنهم: أبو عبيدة والطبرى والقاضى أبو بكر بن الطيب فى «التقريب» وابن فارس اللغوى والشافعى فى «الرسالة»، ونقل عن الشافعى ردّه على القائلين بوقوع الأعجمى فى القرآن. (٦) وحكى عن ابن فارس عن أبى عبيدة أنه أنكر قول القائلين بوقوع غير العربى فى القرآن؛ لأنه لو كان واقعا لتوهم متوهم أن العرب عجزت عن الإتيان بمثله؛ لأنه يشتمل على غير لغاتهم؛ ولذا أبطل القراءة بالفارسية فى الصلاة لعدم


(٢) البرهان فى علوم القرآن، للزركشى، ج ١، ص ٢١٩ فما بعدها.
(٣) البيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن عن طريق الإتقان، للشيخ طاهر الجزائرى، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ص ٨٤ وما بعدها.
(٤) سورة النحل آية (١٠٣).
(٥) سورة فصلت آية (٤٤).
(٦) الرسالة (ص ٤٠)، تحقيق أ. أحمد محمد شاكر، ط مصطفى الحلبى سنة ١٩٤٠ م.