للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلف العلماء فى المراد من (شعائر الله) على أقوال، أبرزها قولان (٦٠):

الأول: ما قاله عطاء والحسن، قال عطاء ابن أبى رباح: هى جميع ما أمر الله به، ونهى عنه، وقال الحسن: هى دين الله كله، ويشهد لهما: قوله تعالى: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج: ٣٢).

والثانى: ما قاله ابن عباس، ومجاهد.

قال ابن عباس: هى جميع مناسك الحج ومعالمه. وقال مجاهد: الصفا والمروة، والهدى، والبدن كل ذلك من الشعائر، ويشهد لهما: أن المشركين كانوا يحجون، ويعتمرون، ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم: فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً (المائدة: ٢)، أى: لا تتعدوا حدود الله فى أمر من الأمور، ولا فى شعيرة من شعائره. كما يشهد لهما: قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (البقرة:

١٥٨)، وكذلك: قوله تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ (الحج: ٣٦).

قال القرطبى: والقول الأول هو الراجح الذى يقدم على غيره؛ لعمومه.

[٣٦ - الشهر الحرام]

الشهر: مدّة مشهورة بإهلال الهلال، أو باعتبار جزء من اثنى عشر جزءا من دوران الشمس من نقطة إلى نقطة، وهو مشتق من الإشهار؛ لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده.

والحرام: أى ما حرم الله فيه كثيرا مما لم يحرم فى غيره (٦١).

والمراد ب الشَّهْرُ الْحَرامُ: ذو القعدة، وذلك فى قوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ (البقرة: ١٩٤)؛ حيث أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعمرة فى ذى القعدة من العام السادس للهجرة، فصده المشركون، وتصالحوا، على أن يعود للعمرة فى العام المقبل، وقد عاد، وأخلى له أهل مكة البلد، وأقام فيها ثلاثا، ثم خرج منصرفا إلى المدينة، فقال تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ يعنى ذا القعدة، الذى اعتمرتم فيه بقدرة الله ب الشَّهْرُ الْحَرامُ يعنى ذا القعدة الذى صدكم فيه مشركو مكة عن العمرة، فى العام الذى كان قبله (٦٢).

وكذلك فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً (المائدة: ٢)، قال زيد بن أسلم: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم


(٦١) انظر: الواحدى: مصدر سابق، القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٩٤) الراغب: المفردات (كتاب الشين، مادة: شهر، كتاب الحاء، مادة: حرم).
(٦٢) ابن جرير الطبرى: جامع البيان، القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٩٤)، (المائدة تفسير الآية ٩٧).