للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) (١)، وكذلك لو ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وهذا كترك المشتبه حذراً من الوقوع في الحرام، واستبراءً للدين والعرض.

وإن كان الترك لغير ذلك، فإما أن يكون تديُّناً أو لا؛ فإن لم يكن تديناً فالتارك عابث بتحريمه الفعل، أو بعزيمته على الترك، ولا يسمى هذا الترك بدعة؛ لأنه لا يدخل تحت لفظ الحدّ، إلا على الطريقة الثانية القائلة: إن البدعة تدخل في العادات، وأما على الطريقة الأولى، فلا يدخل، لكن هذا التارك يكون مخالفاً بتركه، أو باعتقاده التحريم فيما أحلَّ الله، وإثم المخالفة يختلف باختلاف درجات المتروك: من حيث: الوجوب، والندب.

أما إن كان الترك تديُّناً فهو الابتداع في الدين، سواءً كان المتروك مباحاً، أو مأموراً به، وسواءً كان في العبادات، أو المعاملات، أو العادات: بالقول، أو الفعل، أو الاعتقاد، إذا قصد بتركه التعبّد لله كان مبتدعاً بتركه (٢)، ومن الأدلّة على أن الترك في مثل ذلك يكون بدعة: قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها، فكأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً،


(١) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة، ٢/ ٢٨٠، برقم ١٩٠٥، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنته، ٢/ ١٠١٨، برقم ١٤٠٠.
(٢) انظر: الاعتصام، للشاطبي، ١/ ٥٨.

<<  <   >  >>