للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطيئة (وإذا لم يكن ثمة خطيئة فإن الصرح التاريخي للمسيحية وقصة الخطيئة الأولى، والكفارة التي أسس عليها التعليم الساري للعواطف المسيحية فإن كل ذلك ينهار كبيت من ورق اللعب (١).

وما دام أن الإنسان الغربي عموماً لا يعرف عن الدين إلا أنه المسيحية، فإنه سيجد نفسه تلقائياً قد أصبح ملحداً.

يقول ويلز: "الحق أنه لم يخل عصر من العصور من متشككة في المسيحية، على أن هؤلاء كانوا أُناساً غير عاديين، أما الآن (أي: بعد نظرية داروين) فقد أصبحت كل المسيحية بوجه الإجمال متشككة إذ مست الخصومة كل إنسان قرأ كتاباً أو سمع محاورة بين أذكياء" (٢).

والحق الذي لا مرية فيه أن هذه النظرية لو تركت وشأنها أو وجدت في غير الظروف والملابسات التي وجدت فيها، لما كان لها هذا الشأن كله، أو على الأقل لما استشرت ايحاءاتها وصبغت الحياة والفكر بهذه السرعة المخيفة، ولكن الذي أعطى الداروينية هذا الحجم الكبير هو تضافر عاملين خارجيين عنها، هما:

١ - الظروف التاريخية السيئة:

فقد ولدت النظرية في عصر كان فيه الصراع بين العلم والدين على أشده، وكانت الثورة الصناعية قد أخذت تطمس ملامح المجتمع الأوروبي، وتصبغه بصبغة جديدة متحللة من الدين والأخلاق، وكان الإنسان الأوروبي في كل مكان يتحفز للأخذ بثأره من رجال الكنيسة الذين أذاقوه ألوان الذل والاستعباد، فكان ظهور النظرية فتحاً جديداً بالنسبة له، صحيح أن الجماهير وقفت أول الأمر بجانب الكنيسة ضد داروين، (ولكن موقف


(١) معالم تاريخ الإنسانية (٤، ١١١٣) وما بعدها.
(٢) نفس المصدر السابق.

<<  <   >  >>