للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثنية جديدة (وكل الكلام الجميل المعسول الذي قيل لتبرير هذه الوثنية: أن الطبيعة محراب الله وأن الجمال صورة الله، إننا نعبد الله في خلقه ... إلى آخر هذه الجمل الرومانتيكية البراقة، كل هذا الكلام لا يستطيع أن يخفي تلك الروح الوثنية الغارقة في الوثنية التي تعبد المحسوس في حقيقة الأمر، لأنها تعجز عن إدراك الله بالروح، والروح غنية عن المحسوسات) (١)

ولقد عبر روسو -رائد الرومانسية- عن ذلك أوضح تعبير في راهب سافوي الذي هو صورة لذاته، إنه راهب بالفعل، ولكنه يختلف جذرياً عن رهبان الكنيسة، فهو راهب في صومعة الطبيعة يسبح بحمدها ويقدس لها.

وفي كتابات روسو (الاعترافات مثلاً) وقصائد بوب (مقال عن الإنسان) وجوته (فاوست)، وكذلك كيتس ولامارتين وأضرابهم نماذج واضحة للمذهب الرومانسى في أوج مجده.

ولما كان أعظم أثر للرومانسية ينحصر في رد الفعل الذي نجم عنها بولادة الأدب الواقعي اللاديني الحديث، فلن نفيض في الحديث عنها أكثر من هذا.

(ب) الواقعية:

كانت الرومانسية بخيالها الجانح صورة صادقة لعصرها عصر الهروب، الهروب من طغيان الكنيسة، الهروب من نير الإقطاع البغيض، الهروب من تقاليد الماضي المرير، (٢) وجاءت الثورتان الفرنسية والصناعية، وجاءت الحروب الدينية والقومية، وتغيرت ملامح الحياة تغيراً بارزاً، فكان لا بد لصورة الحياة الأدبية أن تتغير كذلك.


(١) جاهلية القرن العشرين: (٢٢٦ - ٢٢٧).
(٢) وهى من هذه الناحية واقعية انظر ثلاثة قرون من الأدب وجاهلية القرن العشرين: (٢٢١).

<<  <   >  >>