للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبينهن أولئك الذين واللواتي كانوا وكن يقومون بالترتيل ويقمن، وكانت ساحة الرقص مضاءة بالأنوار الحمراء والأضواء الزرقاء وقليل من المصابيح البيضاء، وحمي الرقص على أنغام الجرامفون، وسالت الساحة بالأقدام والسيقان، والتفت الأذرع بالخصور، والتقت الشفاه والصدور، وكان الجو كله غراماً، حين هبط الأب من مكتبه وألقى نظرة فاحصة على المكان ومن في المكان، وشجع الجالسين والجالسات ممن لم يشتركوا في الحلبة على أن ينهضوا فيشاركوا، وكأنما لحظ أن المصابيح البيضاء تزيد نسبتها، فتفسد ذلك الجو الرومانسي الحالم، فراح في رشاقة الأمريكاني وخفته، يطفئها واحداً واحداً وهو يتحاشى أن يعطل حركة الرقص أو يصدم زوجاً من الراقصين في الساحة، وبدأ المكان بالفعل أكثر رومانسية، ثم تقدم إلى الجرامفون ليختار اسطوانة للرقص تناسب ذلك الجو، وتشجع القاعدين والقاعدات على المشاركة فيه، واختار .. اختار أغنية أميركية مشهورة اسمها ( But Baby it is Cold outside) ( ولكن الجو - يا صغيرتي - بارد في الخارج).

وهي تتضمن حواراً بين فتى وفتاة عائدين من سهرتهما، وقد احتجزها الفتى في داره، وهي تدعوه أن يدعها تمضي لتعود إلى دارها، فقد تأخر الليل وأمها تنتظرها، وكلما تذرعت بحجة أجابها بتلك اللازمة، (ولكن الجو يا صغيرتي بارد في الخارج).

وانتظر الأب حتى رأى خطوات بناته وبنيه تنساب على موسيقى تلك الأغنية المثيرة، وبدا راضياً مغتبطاً، وغادر ساحة الرقص إلى داره تاركاً لهم ولهن إتمام هذه السهرة اللذيذة البريئة، على أن يسلم مفتاح الكنيسة في داره آخر زوج ينصرف من الكنيسة، فالانصراف يكون تباعاً حسب مزاج كل زوج!!! (١)


(١) الإسلام ومشكلات الحضارة - سيد قطب: (٨٢ - ٨٣).

<<  <   >  >>