للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلامية -فيما بعد- بالانهيار، (١) فقد نتج عن هذا الانفصام انحسار مفهوم العبادة في دائرة الشعائر والأذكار، بل في الحقيقة كان الالتزام بتلك النظرة يعني تعذر القيام ببعض أركان الإسلام لا سيما الزكاة.

والعبارة المنقولة عن بعض زعماء الصوفية عند سماع قوله تعالى: ((يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ)) [الأنبياء:٢٠] وهي ونحن ما بالنا نفتر؟! تنم في الواقع عن الجهل بحقيقة العبادة في الإسلام، وغاية الوجود الإنساني على الأرض التي أوضحها القرآن الكريم تفصيلاً.

بعد أن كان المسلم - أياً كان عمله الدنيوي - يستشعر في قرارة نفسه أنه يعبد الله تعالى، حتى وهو يكدح على عياله، وحتى وهو يطلب العلم أو يعلمه، وحتى وهو يجوب الأرض في طلب الرزق أو التعرف على المعمورة بلا انفصام أو ازدواجية، أصبح المريد -وقد انحصر مفهوم العبادة لديه في الصلوات والأذكار- يجد مساحة كبيرة من حياته فارغة، فيلجأ إلى الشيخ لتعبئة هذا الفراغ، وعندها يقوم الشيخ بتشريع ما لم يأذن الله به، فيكلف المريد بحفظ المتون الطويلة من الأوراد لترديدها، بآلاف التسبيحات، وأحياناً يكلفه بالسياحة في الأرض بلا زاد، ليقوي يقينه، ويصدق في توكله!! وبذلك أدى انحسار مفهوم العبادة إلى انحراف العبادة نفسها واستقائها من غير معين الكتاب والسنة.

ولندع الصوفية أنفسهم، ولننظر إلى أثرهم المعنوي في الأمة، كان ضمير الفرد العادي من العامة يستشعر الحيرة والألم، وهو يرى الناس فئتين:


(١) الإسلام المفترى عليه، محمد الغزالي: (٦٨).

<<  <   >  >>